وأطال بما لا طائل فيه. قوله: الا يبصرون الخ) يعني أنه نزل ما أبصروه وقالوه وسمعوه منزلة العدم لعدم الانتفاع به فهو مجاز، وقيل على قوله: ولا ينطقون بما يقبل منهم أنّ توله اليوم نختم على أفواههم يقتضي نفي القدرة عنهم مطلقاً، وأجيب بأنّ هذا في ابتداء الحشر وذاك بعده، وأخره مع تقدمه في النظم رعاية للواقع، وقوله: كأنهم الخ إشارة إلى أنّ جزاءهم من جنس عملهم. قوله:(ويجورّ الخ) فالحشر بمعنى جمعهم منساقين إلى النار وهو في الأوّل بمعنى جمعهم في الموقف والصفات على هذا على الحقيقة وعلى الأوّل مجاز، ومؤفي القوى صيغة جمع مضافة، وقيل إنّ ذلك عند قيامهم من قبورهم ثم تردّ لهم الحواس فيرون النار ويسمعون زفيرها، وينطقون إذا سئلوا. قوله:(سكن لهبها) وفي نسخة لهبها أي اشتعالها، وقوله: بأن الخ إشارة إلى أنّ قلة تسعرها بفناء أجسادهم لأنها وقودها، كما قال: وقودها الناس، وإنما فسره بهذا لأنه كان الظاهر أن يقال، زدناها سعيراً، وعلى ما ذكره يتجاوب النظم فتدبر، وقوله: توقداً إشارة إلى أنّ سعيراً مصدر أو مؤوّل به هنا. قوله:(بأن نبدّل جلودهم الخ) فهي كلما أكلت وفنيت بدلت بجلود أخر تتقد بها النار وتتلهب، واستشكل بأق قوله تعالى:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا}[سورة النساء، الآية: ٥٦] يدلّ على أنّ النار لا تتجاوز عن إنضاجهم إلى إحراقهم وافنائهم فيعارض ما ذكر وأجيب بأنه يجوز أن يحصل لجلودهم تارة النضج وتارة الإفناء أو كل منهما في حق قوم على أنه لا سدّ لباب المجاز بأن يجعل النضج عبارة عن مطلق تأثير النار إذ لا يحصل في ابتداء الدخول غير الإحراق دون النضج وأورد على الجواب الأوّل أن كلمة كلما تنافيه، وتبديل جلودهم على ما سيأتي إمّا بأن تعود لها صورة أخرى حتى لا يلزم إعادة المعدوم بعينه، أو بإزالة أثر الحريق وعود إحساسها بالعذاب، أو بخلق جلود أخر ولا محذور فيه لأنّ العذاب إنما هو للروح المتعلقة بها فلا يلزم تعذيب غير العاصي مع أنه جائز أيضا، وقوله: كأنهم الخ معنى حسن جداً والإفناء في كلامهم شامل لإفناء الحياة والبدن فلا يرد ا!
مقولهم هنا إنما هو أئذا كنا عظاما الخ، وفوله: لأنّ الإشارة أي بقوله: ذلك هنا وهو علة لقوله: واليه أشار الخ يعني أنّ لفظ ذلك إشارة إلى عذابهم المفهوم من قوله: زدناهم ومعناه إعادة جلودهم كلما فنيت وقوله: أو لم يعلموا إشارة إلى أن رأى هنا علمية لأنه المناسب. قوله:(فإنهم ليسوا الخ) يعني أنه إثبات للإعادة بطريق برهاني وهو أنّ من خلق هذه الإجرام العظيمة وأبدعها من غير مادّة قادر على خلق مثلكم بلا شبهة، ومن قدر على ذلك كيف لا يقدر على إعادتكم وهي أهون عليه، ولا حاجة إلى جعل مثل هنا كناية عنهم، كقوله: مثلك لا يبخل مع أنه صحيح أيضا ولو جعل خلق مثلهم عبارة عن الإعادة كان أحسن وكأنه مراد.. قوله:(هو الموت) قدّمه لأنه المعروف إذ هو يطلق على مدة الحياة وعلى آخرها وعلى الموت للمجاورة له، وقوله: أو القيامة فالمراد به مدة يكون فيها حشرهم وحياتهم وهو ميقات إعادتهم، وهذه الجملة معطوفة على جملة أو لم يرو الأنهار وان كانت إنشائية فهي مؤوّلة بخبرية كما في شرح الكشاف، إذ معناها قد علموا بدلالة العقل أنه قادر على البعث والإعادة وجعل لهم أي لإعادتهم أجلاً وهو يوم القيامة يعني أنهم علموا إمكانها واخبار الصادق بها وضربه لها أجلاً، فيجب التصديق به أو جعل لهم أجلاً وهو الموت والانسلاخ عن الحياة ولا يخفى على عاقل إنه لم يخلق عبثاً فلا بد أن يجزي بما عمله في هذه الدار فلا معنى للإنكار فظهر ارتباط المتعاطفين لفظا ومعنى، ولا ريب فيه ظاهر على الثاني وعلى الأوّل معناه لا ينبغي إنكاره لمن تدبر، وقيل إنها معطوفة على قوله: يخلق ورجحه بعضهم وقوله: خزائن رزقه الخ فالرحمة عبارة عن النعم مجازاً والخزائن استعارة خقيقية أو تخييلية، وقدر الفعل لأن لو أداة شرط تختص بالدخول على الأفعال. قوله:(كقول حاتم الخ) هو مثل يضرب لمن أهانه من لم يكن أهلاً لإهانته، قاله وقد أسر فلطمته جارية والسوار إنما يكون للحرائر عندهم أي لو لطمتني حرة لهان ذلك عليّ، وقصته مشهورة ورواه بعضهم لو غير ذات سوار أي لو لطمني رجل والمشهور الأوّل والتقدير لو لطمتني ذات سوار، وهنا كان تقديره لو تملكون فلما حذف الفعل انفصل الضمير.