ألا تراك تقول: لقيت زيداً راكباً وان استمرّ ركوبه بعد الملاقاة ولا يعد مثله حالاً مقدرة، كما لو قلت: جاءني والشم! س طالعة) أقول (هذا كلام غير صحيح لأن المعتبر زمان الحكم وهو كونهم في الجنة وهم بعد حصولهم فيها ملابسون الخلود فهم مقارنون له إذ لا آخر له فاعرفه فإنه دقيق جذاً. قوله: (تحؤلاً (يعني هو مصدر كعوداً وعوجاً، وقال الزجاج: معناه الحيلة في الانتقال، وقال ابن عطية: إنه اسم جمع لحوالة وهو بعيد، وقوله: إذ لا يجدون أطيب منها أي لا
يجدون أطيب منها بجميعها في الواقع ولا في الوجدان والتصوّر لشمول الوجود للخارجيّ، والذهنيّ فلا يتوهم أنه لو قال: لا يتصوّرون كان أبلغ وبكون المراد بالجنة جميعها اندفع ما قيل: إنّ أهل الجنة بلا شك متفاوتو الدرجات كما ورد في الأحاديث الصحيحة لكن أحدهم لا يبغي غير مرتبته لما خلق الله فيهم من محبة كل لمنزلته حتى لا يطلب منزلة غيره كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام فوجدان الأطيب لا يستلزم طلبه وعدم التحوّل لا يدل على أنه لا مزيد عليه فالظاهر أن قوله: لا يبغون عنها حولاً كناية عن كونها أعلى المنازل وأطيب وكلام الكشاف لا يأباه، ومن قال: إن الإشكال مبنيئ على أن الفردوس أعلى الجنة فالظاهر أن المراد به مطلق الجنة لم يطبق المفصل ولم يصب المحز، وقوله: تنازعهم إليه أنفسهم بمعنى تطالبهم وتجاذبهم كما ترى في أحوال الدنيا. قوله: (ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود (عدم ابتغاء التحوّل على ما قبله عبارة عن كونها أطيب المنازل وأعلاها، وهو معنى آخر غير الخلود ولا يستلزمه حتى يؤكده كما قيل، وعلى هذا هو عبارة عن نفي التحوّل والانتقال فإنّ عدم طلب الانتقال مستلزم للبقاء فيؤكده، ويجوز أن يكون على حد قوله:
ولا ترى الضبّ بها ينحجر
أي لا يتحوّل عنها حتى يبغوه ولما كان طول المكث يورث الملل ذكره لإفادة أنها مع الخلود لا تمل فلذا عطف عليه مع كونه مؤكدا، وقيل في وجه التأكيد إنهم إذا لم يريدوا الانتقال لا ينقلون لعدم الإكراه فيها وعدم إرادة النقلة عنها لم يبق إلا الخلود إذ لا واسطة بينهما كما تيل. قوله: (وهو اسم ما يمدّ به الشيء (لأن فعالاً وضعه لما يفع!! به كالآلة والحبر بالكسر المداد الذي يكتب به والسليط بالإهمال الزيت ودهن كل حب كالسمسم، وقوله: ما يمد به الشيء هذا أصل معناه ثم اختص في عرف اللغة بما ذكر بل بالحبر وحده، وقوله: لكلمات ربي أي معدّا لكتابتها، وقوله: لكلمات علمه وحكمته أي للكلمات التي يعبر بها عن معلوماته وحكمته فالإضافة لامية لا بيانية. قوله: (لنفسد جنس البحر بأسره (يعني أن تعريفه للجنس الاستغراقيّ أي جميع البحار لا بحر واحد، وقوله: لأنّ كل جسم متناه تعليل لنفاده لأنّ كل متناه منفد كما قيل:
جبال الكحل تفنيها المراود
والتقدير وكتب بذلك المداد لنفد الخ. قوله: (فإنا غير متناهية الخ (إشارة إلى دفع ما يتوهم كما أورده بعض شراح الكشاف من أن مضمون الآية أنه على تقدير أن يكون البحر مدادا لها تنفد لأنه أثبت نفاد البحر قبل نفادها على ذلك التقدير فإذا ثبت نفاد البحر قبل نفاد الكلمات ثبت نفادها بعد نفاد ضرورة استلزام القبلية للبعدية لتقابلهما وتضايفهما لكن قوله
تعالى:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}[سورة لقمان، الآية: ٢٧] يقتضي دم ثبوت النفاد فيتناقضان وأجاب بأنّ ما هنا أبلغ في الدلالة على عدم النفاد لكونه كناية أو مجازاً عنه كما هو المتعارف في المحاورات كما يقال: لا تتناهى أشواقي حتى يتناها الزمان وما في تلك الآية صريح فيه ثم ذكر كلاما طويلاَ لا حاجة إلى إيراده وأصل الكلام وهي باقية لكنه عدل عنه للمشاكلة، وتلك الآية أبلغ من وجه آخر على ما حققه في الكشف، وقوله: كعلمه إشارة إلى دليله يعني أنه كما لا تنفد معلوماته لا ينفد ما دل عليها. قوله: (زيادة ومعونة) تفسير للمدد وهو مفعول له، وبمثله متعلق بجئنا، وقوله: مجموع ما يدخل الخ يعني سواء كان مجتمعاً أو غير مجتمع لأنه إذا ثبت في المجتمع التناهي ثبت في غيره بالطريق الأولى فسقط ما قيل إن ما ذكره يختص بالاجتماع فلو قال: جميع ما يدخل في الوجود على التعاقب أو الاجتماع متناه ببرهان التطبيق كان أولى وأشمل مع أنّ الإبعاد شامل للمتصلة والمنفصلة فتأمّل، وفي قوله: قبل أن ينفد غير المتناهي