للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في مقابلة ذلك الإيتاء لأنه لا يعادله فعدل عنه إشارة لذلك، واشعاراً بأن ثمة معنى آخر ملاحظا كأنه مقدراً عطف عليه ما ذكر أي فعملا به وعلماه وعرفا حق نعمته وفضله وقالا الخ، وهذا أحسن مما ذهب إليه السكاكيّ من أنه فوّض فيه الترتيب إلى العقل لأن المقام يستدعي شكرا بالغاً وفي طيه إشارة إلى أنه جاوز حد الإحصاء وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله كأنه قال الخ وقال: كأنه إشارة إلى أنه ليس بمقدر حقيقة وإن ذهب إليه بعضهم وتسمى هذه الواو الواو الفصيحة، ولم يلتفت إلى احتمال أن يكون الحمد على نعم عظيمة، ومن جملتها العلم فلذا لم يعطف بالفاء لعدم مناسبته للمقام. قوله: (يعني من لم يؤت علماً الخ) أي أراد داود عليه الصلاة والسلام بقوله كثير من لم يؤت علما أصلاً أو لم يؤت علماً مثل علمهما، وهو علم القضاء أو علم النبوّة والتحريض لأنهما إذا فعلاه فقد نبها على فضله وحثا عليه، وقوله أن يتواضع الخ إذ قالا على كثير دون أن يقولا على الناس أو على المؤمنين وهما قدوة لغيرهما. قوله: (وإن فضل على كثير فقد فضل عليه كثير) قيل فيه إنه يدل بالمفهوم على أنهما لم يفضلا على القليل فإمّا أن يفضل القليل عليهما أو يساوياه وإن سلم فلا أقل من أن يحتمل الأمرين، وأجيب بأن الكثير لا يقابل القليل في مثل هذا المقام بل يدل على أنّ حكم الأكثر بخلافه، ولما بعد تساوي الكثير من حيث العادة لا سيما والأصل التفاوت حكم بأنه يدل على أنه فضل عليهم كثيرون أيضاً على أنّ العرف طرح التساوي في مثله عن الاعتبار، وجعل التقابل بين المفضل والمفضل عليه فإذا قيل لا أفضل من زيد فهم أنه أفضل من الكل، وقيل إنه مبنيّ على قوله: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [سورة يوسف، الآية: ٧٦] وقوله النبوّة الخ لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تورث كما في حديث: " إنا معاشر الأنبياء لا نورث "

فالمراد بالوراثة قيامه مقامه فيما ذكر فهو استعارة وقوله أو العلم أي المخصوص بالنبوّة أو علما زائداً على ما كان له في حياته فلا يرد عليه أنه قبل موته كان عنده علم أيضاً. قوله: (تشهير النعمة الله الخ) يعني أنّ مخاطبته لعموم الناس لأجل إشاعة نعمه تعالى، وتعظيم قدرها لا الافتخار كما قال صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " وقوله بذكر المعجزة متعلق بدصاء، والمراد بالتصديق التصديق بنبوّته. قوله: (وقد يطلق لكل ما يصوّت به على التشبيه (وهو إمّا على تشبيه الصوت بالنطق استعارة مصرّحة أو على تشبيه المصوّت بالإنسان فيكون استعارة بالكناية، وإثبات النطق لها تخييل ولو أريد بالنطق مطلق الصوت على أنه مجاز مرسل صح، ولكنه لا يناسب المقام وقوله أو التبع يعني به المشاكلة التقديرية فإنه لما سمي صامتا على الحقيقة سمي غيره ناطقاً مشاكلة له فقوله: كقولهم نطقت الحمامة مثال للتشبيه مثله نطق العود، وقوله ومنه الناطق والصامت بيان للتبع، وقوله من حيث الخ توضيح للتبع وأنه مع المشاكلة فيه وجه شبه أيضا وهو أحسن أنواع المشاكلة أو هو رجوع إلى بيان التشبيه اعتناء به لأنه أحسن، ولذا قدمه وليس المراد بيان التبع وأنه تبع الأصوات للتخيلات فإنّ ما له إلى التشبيه ولا جعل الاستعارة في الطير تبعية إثبات النطق لها على طريق التخييل كما قيل فإنه طريق آخر للتشبيه فتدبر. قوله: (ما من جنسه) أي ما كان من جنسه كما نشاهده منها إذا صوّتت للفزع وغيره وكما يقرقر الدجاج إذا وجد الحب، وقوله الذي صوّته أي حمله على التصويت فالضمير منصوب بنزع الخافض أي صوت له، أو بتضمينه معنى التصيير وتوخاه

بمعنى قصد ٠، وقوله نصف ثمرة بالثاء المثلثة معلوم. قوله: (فعلى الدنيا العفاء) بفتح العين والمد كما قال صفوان بن محمد إذا أكلت كسرة وشربت ماء فعلى الدنيا العفاء وهو مثل للترك لعدم المبالاة ويكون العفاء بمعنى الدروس والانمحاء، ومنه عفا الله عنه إذا محى ذنوبه والأنسب هنا الأوّل. قوله: (فلعله الخ) يعني ليس هذا ما فيمه من صوته دائماً بل في ذلك الوقت لما ذكر وقوله والضمير الخ إشارة إلى أنّ هذا يستعمله المتعظمون فكيف هو هنا ومقام النبوّة لا يناسبه وان كانوا عظماء، ولذا سمي بعض النحاة نون نقوم نون العظمة وقال الزمخشريّ: إنه يقال لها نون الواحد المطاع فأجاب، أولاً بأنها إنما تكون كذلك إذا لم يكن مع المتكلم غيره وأبوه معه وثانيا بأنه كان ملكاً مطاعا فتكلم بما يليق بحاله الذي كان عليه، قال الزمخشري: وقد يتعلق بتجمل الملك وتفخمه وإظهار آيينه

<<  <  ج: ص:  >  >>