ولأن الظاهر أنّ هذه الجمل متعاطفة فالتقدير بينها خلاف الظاهر، وهذا هو مراد السعد بقوله إذ عنده يتمّ الشرط بذكر المعطوفات فلا يرد عليه المنع كما قيل. قوله: الا يعتريكم بعد مكروه) تفسر للسلام بأنه السلامة من كل مكروه سواء أكان خبراً أو إنشاء دعائياً لأن ما فسر به محتمل لهما أيضاً فليس الأوّل متعيناً كما قيل، وقوله: مقدرين الخلود بصيغة الفاعل أو المفعول إشارة إلى أنها حال مقدرة وقد مرّ الكلام عليه مفصلاً مراراً. قوله:(وهو لا يمنع دخول العاصي بعفوه) أي كونه سببا لا يمنعه بسبب عفوه لأنه أي العفو أو الله يطهره أي يطهر العاصي من قدر المعاصي بما أفاضه عليه من لطفه، وهو ردّ على الزمخشري إذ جعل هذه الآية دليلا على أنه لا بد من عدم
العصيان، أو التوبة لأنه لا يتحقق الطيب بدونهما وجملة طبتم تعليل لما قبلها وقوله: وقالوا معطوف على جملة قال أو على مقدر أي فدخلوها وقالوا. قوله:(على الاستعارة) في الأرض لتشبيه مقرّهم بأرض! الدنيا وإنّ أرض الآخرة التي يمشي عليها لا تسمى أرضا إلا مجازا، وهو خلاف الظاهر، ولم يجعله الزمخشريّ مجازا، ولك أن تجعل هذه الاستعارة في أورثفا فيكون توطئة لما بعده وقوله: مخلفة عليهم من، أعمالهم إشارة إلى أنه شبه نيلهم بأعمالهم لها بإرثهم من آبائهم فكان العمل آباؤهم كما قيل:
وأبى الإسلام لا أب لي سواه
وكما يقال الصدق يورث النجاة وقوله أو تمكينهم بناء على أنه لا ملك في الآخرة وإنما
إباحة التصرّف والتمكين مما هو ملك الله. قوله:(أي يتبوّأ كل منا ألخ) يعني لو حمل النظم على ظاهره، وأراد خلق كثير مكانا واحداً منها لزم تبوّء الجميع مكانا واحدا بالوحدة الحقيقية، وهو محال أو أن يأخذ أحدهم جنة غيره وهو غير مراد فدفعه بأنّ حيث يشاء عمومه ليس على الإطلاق بل المراد عموم نبوته في أي مقام كان من جنته التي عينت له لا من مطلق الجنة، ولا من جنات غيره المعينة لهم لكونها واسعة ينتقلون فيها لما يشتهون، والضمير في قوله من جنته لكل على التوزيع. قوله:(مع أنّ في الجنة مقامات معنوية الخ) جواب ثان وهو إشارة إلى ما قاله الإمام من أنّ لنا جنتين جسمانية وروحانية ومقامات الثانية لا تمانع فيها فيجوز أن يكون في مقام واحد منها ما لا يتناهى من أربابها، وهذه الجملة حالية والمعنى أورثنا مقامات الجنة المحسوسة حالة كوننا نسرح في منازل الأرواح كما نشاء، وقد قال بعض متألهي الحكماء الدار الضيقة تسع ألف ألف من الأرواح، والصور المثالية التي هي أبدان المتجزدين عن الأبدان العنصرية لعدم تمانعها كما قيل:
سمّ الخياط مع الأحباب ميدان
وهذا إن عد من بطون القرآن فلا كلام فيه والا فحمل الجنة على مثله مما لا تعرفه العرب ولا ينبغي أن يفسر به، والمقام الروحاني هو ما تدركه الروج من المعارف الإلهية، وتشاهده من رضوان الله ونفحات اللطف مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ومن لم يذق لم يعرف، ولا يرد على ما ذكر أنه يقتضي أنّ كل أحد يصل إلى مقام روحاني مع أنّ منها ما يخص الأنبياء المكرّمين، والملائكة المقربين والظاهر أنه لا يصل إليها كل أحد من العارفين، وقد قيل أيضا في الجواب أنهم لا يريدون غير ما لهم لسلامة أنفسهم وعصمة الله لهم عن إرادة
مثله، وقوله: الجنة هو المخصوص بالمدح المقدر، وقوله: محدقين الأحداق الإحاطة كما تحيط الحدقة بالعين، وهو من الحفاف بمعنى الجانب جمع حاف وقا الا السمين: قال الفراء وتبعه الزمخشريّ: لا واحد له أراد أنّ الواحد لا يكون حافا أي محيطاً إذ الإحاطة لا تتصؤر بواحد وإنما تتحقق الإحاطة بالجمع، وقيل: أراد أنه لم يرد به استعمال وكلاهما وهم لأنه لو صح هذا لم يصح أن يقال: طائفون ولا محيطون ونحوه مما يدل على الإحاطة والتخيل الذي ذكره من عدم فهم المعنى الموضوع له فإنّ الإحاطة بالشيء بمعنى محاذاة جميع جوانبه ومقابلته، ولا يلزم أن يكون في زمان واحد بل في درجات منه فإن من دار به فقد حاذاه جميع جزئيته تدريجا فيكون الحفوف، والطواف بمعنى الدوران حوله أو يراد بكونه محيطاً إنه جزء من المحيط وله مدخل في الإحاطة. قوله: (أو لابتداء الحفوف (فيكون الحفوف حينئذ بغير العرس فهو إمّا بالخلق وزيادتها على مذهب الأخفش وهو الأظهر، وقوله: ملتبسين بحمده فالجار والمجرور حال أيضاً والباء للملابسة، وقوله: حال ثانية إشارة إلى أن حافين حال أولى لأن رأي بصرية وكونها علمية بعيد، وقوله: أو مقيدة أي حال من الضمير في فيها فهي حال متداخلة وصفات