في وجه الدلالة على هذا المعنى أنّ اسمية الجملتين تدل على مقاونتهما في الوجود أو أنّ المعنى إنا كاشفوا العذاب زمانا قليلاً إنكم عائدون فيه، وأنت خبير بأنّ " ما ذكره المصنف ليس مقارنا في الوجود، وفي زمان واحد بل كون الثاني عقيب الأوّل بلا فصل، وتراخ على أنّ العطف على المقيد بزمان لا يقتضي تقييد المعطوف فكيف ترك العاطف كما قيل، واختير في وجه الدلالة على ما ذكر من وقوعه عقبه أنه- بناء على ما علم من فسادهم، وأنهم يبادرون إلى نقض العهد، والشرك إذا زال المانع كما في قوله:{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[سورة العنكبوت، الآية: ٦٥] واعترض على ما اختاره المحقق بما تقرّر من دلالة الاسمية، واسم الفاعل على الحال فالاسميتان مراد بهما الحقيقة أو المجاز يتقارن مدلولاهما بلا شبهة ما لم يمنع مانع كما هنا فيحمل على التقارن العرفي بأن يقع ابتداء أحدهما عقب الآخر بلا مهلة فيعدان بحسب العرف في زمان متحد، وبهذا اندفع إيراده، وما قاله من المقابلة لا يقتضي ما ذكر من المشاركة بينهما في جميع الأحوال، وليس بشيء عند التحقيق إمّا دلالة الاسمية على الحال فلم يقل به أحد، وأنما تدلّ على الثبوت لا التجذد، واسم الفاعل يرد لغير ما ذكر أيضاً فيكون للمضيّ، والاستقبال، ولو سلم فمن أين يعلم اتحاد الحالين، والمراد بهما، وما ذكره من الاتحاد مبنيّ عليه فهو خيال فاسد، ولا شك أنّ المراد بالمقابلة وقوعه جوابا له فإذا كان معني! الأوّل إن كشفت آمنا كان معنى الجواب إن كشفنا عدتم فيتحدان معنى لا بلا شيبهة، وما ذكره من ابتنائه على ما عرف من حالهم أمر لا يعلمه إلا الله وليس في الكلام قرينة تدل عليه فتدبر. قوله:(ومن فسر الدخان الخ) دفع للسؤال بأنه من الأشراط، ولا يتصوّر فيه الكشف، وقد أجيب عنه بأنه ورد في بعض الآثار أنه يكشف عنهم فيرتدون فليس في الواقع ما يدلّ على خلافه بل ورد ما يؤيده، وقوله: غوّث بالتشديد بمعنى صاح، ونادى طلبا للغوث، وأصله أن يصيح واغوئاه، وقوله: فريثما يك! ثفه أي
مقدار كشفه يرتدون، وقد تقدم تفصيله وأنه منصوب على الظرفية. قوله:(ومن فسره بما في القيامة الخ) هذا أيضا ردّ للسؤال بأنه لا كشف ثمة فكيف يناسبه ما ذكر على هذا التفسير بأنه كلام وارد على الفرض، والتقدير فيكون معناه لو كشفنا عنهم بعدما دعوه واعدين بالإيمان لعادوا عقب الكشف فيكون كقوله:{وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ}[سورة الأنعام، الآية: ٢٨] وأمّا إن مؤمنون، وما معه فغير محتاج للتأويل. قوله:(فإنّ إنّ تحجره) أي تمنعه عن العمل فهو بالراء المهملة أو بالمعجمة، وقد مرّ ردّ ما ذكره بأن ما لا يعمل لا يفسر عاملاً كما قاله المعرب كغيره من النحاة لكنه غير مسلم، ولذا لم يلتفت له المصنف، وفيه وجوه كنصبه بتأتي أو اذكر مقدرأ، وتعلقه بعائدون، وأمّا تعلقه بكاشفوا العذاب فردّه في الكشف. قوله:(نجعل البطشة الخ) على قراءته من الأفعال فعلى هذا البطشة مفعول به، وفيه مجاز حكميّ على طريقة أطيعوا أمر الله وعلى ما بعده مفعول مطلق كانبتكم ثباتاً والصولة العنف والشدة وعلى ما في القاموس من مجيء أبطش بمعنى بطش لا حاجة لتأويله بما ذكر، وعلى ما ذكره فهو لتمكينه من البطش والمفعول محذوف على الثاني. قوله:(امتحناهم) على أنه من فتن الفضة عرضها على النار فيكون بمعنى الامتحان، وهو استعارة، والمراد عاملناهم معاملة الممتحن ليظهر حالهم لغيرهم، وقوله أو أوقعناهم في الفتنة على أنه بمعناه المعروف والمراد بالفتنة حينئذ ما يفتن به أي يغترّ ويغفل عما فيه صلاحه كما في قوله تعالى:{أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}[سورة الأنفال، الآية: ٢٨] وإليه أشار بقوله: بالإمهال الخ، وتفسيره هنا بالعذاب، ثم التجوّز به عن المعاصي التي هي سببه كما قيل تكلف ما لا داعي له، ومن فسرها بالضلال أو العذاب لخلقهم عصاة مختارين لكسب المعاصي فهو عنده مجاز عقليّ فلا يقال إنه لا يلائم ما بعده مع أنه مع ما ذكره كشيء واحد وقراءة فتنا بتشديد التاء إما لتأكيد معناه المصدرقي أو لتكثير المفعول أو الفعل. قوله:(على الله) فكريم بمعنى مكرم أي معظم عند الله، أو عند المؤمنين أو هو من الكرم بمعنى الاتصاف بالخصال الحميدة حسباً ونسباً ونحوه، وقيل إنه على الأوّل بمعنى عزيز، وعلى الثاني بمعنى متعطف كما سيأتي في عب! وعلى الثالث ما مرّ تفسيره به، والأحسن تفسيره بجامع المحامد، والمنافع فإنه أصل معناه. قوله:(بأن أذوهم إلئ وأرسلوهم معي الخ) فإن مصدرية قبلها حرف جرّ مقدر، والمراد بعباد الله بني إسرائيل الذين كان