أي جعلناهم أنبياء، وأصل الاستنباء طلب الخبر كما قال ويستنبؤنك أحق هو، وهو تفسير لجعل النبوّة فيهم كما أنّ قوله: وأوحينا الخ بيان لجعل الكتب فيهم، وقوله: وقيل الخ مرّضه لأنه خلاف الظاهر، وإن كان الكتاب ورد بمعنى الكتابة في اللغة. قوله:(خارجون الخ (لأنّ أصل معنى الفسق الخروج، ثم خص بخروج مخصوص، وهو الخروج من ربقة الإيمان وطريق الهداية المستقيم فهو مساو للضلال، وتبيين المقالة فيه أن يقال: فمنهم مهتد ومنم ضال فعدل عنه لأنّ ما ذكر أبلغ في الذمّ لأنّ الخروج عن الطريق المستقيم بعد الوصول إليها بالتمكن منها ومعرفتها أبلغ من الضلال عنها، ولو قيل ومنهم الخ لم يفهم غلبة أهل الضلال على غيرهم فليست المبالغة لجعلهم محكوما عليهم بالفسق كما قيل فتدبر. قوله: (أرسلنا رسولاً بعد رسول (البعدية معنى التقفية لأنّ أصله أن يكون خلف قفاه، وقوله: والضمير لنوح
الخ) فالمعنى قفينا على آثار نوح، وابراهيم ومن أرسلا إليهم من قومهما برسلنا ومن أرسلوا إليهم من أقوامهم فاكتفى بذكر الرسل عنهم كما اكتفى بذكر نوح، وابراهيم عن ذكر من أرسلا إليه. قوله:(أو من عاصرهما الخ) قيل عليه لو عاصر رسول نوحا فإمّا أن يرسل إلى قومه كهارون مع موسى، أو إلى غيرهم كلوط مع إبراهيم، ولا مجال للأوّل لمخالفته للواقع وصرح به المصنف رحمه الله أيضاً في تفسير قوله، وقوم نوح لما كذبوا الرسل، ولا إلى الثاني إذ ليس على الأرض غير قومه ولا يخفى أنه توجيه لجمع الضمير وكون لوط مع إبراهيم كاف فيه وإن كان الكلام موهماً لخلافه وقوله: فإن الرسل المقفى بهم من الذرية ولو عاد الضمير عليهم لزم أنهم غيرهم أو اتحاد المقفي والمقفى به وتخصيص الذرّية الراجع إليه ضمير آثارهم بالأوائل منهم خلاف الظاهر من غير قرينة تدل عليه. قوله:(وأمره أهون من أمر البرطيل الخ) البرطيل بكسر الباء، وقد تفتح حجر مستطيل، واستعماله بمعنى الرشوة مولد مأخوذ منه بنوع تجوّز فيه كما بينه أهل اللغة يعني انّ البرطيل بكسر الباء عربيّ ففتح فائه إذا سمع فيه غير هين لأنّ فعليلاً بالفتح ليس من أبنية العرب فالعدول فيه عن سنن ألفاظهم غير سهل بخلاف إنجيل فإنه أعجمي على الصحيح المشهور فالعدول فيه عن أوزانهم سهل لأنهم يتلاعبون به، ولأنه ليس من كلامهم في الأصل حتى يلتزم فيه أوزانهم، والإنجيل كتاب عيسى عليه الصلاة والسلام، ويكون بمعنى مطلق الكتاب وقيل هو عربيئ من نجلت بمعنى استخرجت لاستخراج الأحكام منه، وقوله: فعالة أي بالفتح مصدر كالشجاعة. قوله:(وابتدعوا رهبانية (يعني أنه منصوب بمقدر يفسره ما بعده على نهج الاشتغال فجملة ابتدعوها لا محل لها من الإعراب، وقول ابن الشجري أنه يشترط في منصوبه أن يكون مختصا يجوز وقوعه مبتدأ على فرض تسليمه هو موصوف معنى كما يؤخذ من تنوين التعظيم، وكونه بمعنى أمر منسوب للرّهبان، وفوله: رهبانية مبتدعة على أنّ ابتدعوها في محل نصب صفة رهبانية، وهو معطوف على ما قبله من مفعول الجعل فلذا قال على أنها من المجعولات بناء على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله، ولا ضير في اجتماع قادرين على مقدور واحد عندنا أهل الحق ولمخالفتها لمذهبهم قالوا: هنا ما قالوا كما بين في الكشاف وشروحه، وفي مغني اللبيب لا بد من تقدير مضاف هنا مما في القلوب أي وحب رهبانية، وهو غير ما ذهب إليه المصنف رحمه الله لكن قوله: بعده تبعا لصاحب الانتصاف إنما لم يحمل أبو عليّ الآية على ذلك لاعتزاله لا يخلو من الخلل، وليس هذا محل الكلام عليه، وقوله: وهي المبالغة الخ كونها بهذا المعنى في القلوب يحتاج لتقدير، أو تأويل
كما أشرنا إليه. قوله: (كأنها منسوبة إلى الرهبان) والنسبة إلى الجمع على خلاف القياس فيحتاج إلى أن يقال إنه لما اختص بطائفة مخصوصة أعطى حكم العلم فنسبت له كالأنصار، وعلى قول الراغب أنّ رهبانا بالضم مفرد أيضا الأمر واضح، ولذا تردّد المصنف رحمه الله فيه، وقيل: إنه لاحتمال أق الضم من تغييرات النسب كدهرفي. قوله:(استثناء منقطع) قدمه لأنه أنسب بقوله: ابتدعوها كما أشار إليه بقوله: لكنهم ابتدعوها، ثم صرح به بعده فلا تكون مفروضة عليهم من الله، وقوله: ما تعبدناهم بها أي جعلناها عبادة لهم سواء كانت فرضا أو مندوباً وأصل معنى تعبده صيره عبدا، وعلى هذا معناه صيره عابدا، وفي ثبوته بهذا المعنى كلام، وقوله: يخالف قوله: ابتدعوها فإنه يقتضي أنهم لم يؤمروا بها أصلاً إلا