أن يقال الأمر وقع بعد ابتداعها أو يؤوّل ابتدعوها بأنهم أوّل من فعلها بعد الأمر، وقوله: أتوا بها أوّلاً تفسير لقوله: استحدثوها، وقوله: من تلقاء أنفسهم أي من جانب أنفسهم أو من ألقاء أنفسهم ذلك لهم. قوله:(فما رعوها جميعاً) إمّا تأكيد للضمير أو لقوله حق رعايتها مقدما عليه فعلى الأوّل هو إشارة إلى أنّ منهم من رعاها، وعلى الثاني رعوا بعض حقوقها، وقوله: بضم التثليث متعلق بالنفي، والتثليث قولهم بأن الإله ثلاثة، والاتحاد قولهم: إنّ الله متحد بعيسى حال فيه، والسمعة الرياء وهو غالب عليهم، وقوله: نحوها أي المذكورات، واليها متعلق بضم، وقوله: من المتسمين أي الذين لهم سمة، وعلامة تدل على اتباع عيسى عليه الصلاة والسلام، وقوله: بالرسل المتقدّمة فالمراد مؤمنو أهل الكتاب. قوله: الإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم وإيمانكم بمن قبله)
بيان لتحقق النصيبين لهؤلاء على أنّ المراد مطلق أهل الكتاب مع أنّ الملل الأولى منسوخة، والمنسوخ لأثواب في العمل به فإن كان الخطاب للنصارى فملتهم غير منسوخة قبل ظهور الملة المحمدية، ومعرفتهم بها فلا يحتاج إلى جواب عنه بما ذكر، وأنما لم يرتض به قيل لأنها نزلت فيمن أسلم من اليهود كما ورد في الأحاديث الصحيحة كعبد الذ بن سلام وأضرابه ولذا بنى تفسيره أوّلاً عليه، ولأنه لا دليل على التخصيص هنا، والمراد من لم يؤمن منهم فلا يحتاج قوله: آمنوا إلى تأويل اثبتوا، ونحوه كما في الكشاف. قوله:(أو الهدى الخ) فالنور استعارة تصريحية، وقوله: يسلك به إشارة إلى وجه الشبه فيه، والجار في قوله: لئلا الخ متعلق بالأفعال الثلاثة قبله على التنازع أو يقدر كفعل، وأعلمهم ونحوه، ولا مزيدة فإنه يجوز زيادتها مع القرينة كثيرا، واختاره على عدم الزيادة لما فيه من التكلف الآتي، وقوله: ليعلموا جمعه لظهور أنه ضمير أهل الكتاب، وقد قيل إنه كان عليه أن يفرد الضمير أو يؤخره عن قوله: أهل الكتاب، ولكنه أمر سهل. قوله:(والمعنى أنه لا ينالون شيئاً الخ) على أنّ المقدّر ضمير الشأن، وفي نسخة أنهم على أنّ المحذوف ضميرهم، وهو الأولى كما ذكره في المغني، وقوله: مما ذكر من فضله يعني في النصيبين من الأجر وما معه، وقوله: برسوله يعني به محمداً صلى الله عليه وسلم، وقوله: أو لا يقدرون الخ. على أنّ الفضل عامّ في كل فضل، وقوله: لأنهم لم يؤمنوا صريح فيما مرّ من أنّ المراد من لم يؤمن منهم، وقوله: وهو أي نيل ما ذكر، وقوله: على شيء ليس عاماً حتى يكون فضلا في غير محزه بل تنوينه للتحقير، وقوله تعالى:{يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} خبر ثان أو هو الخبر، وما قبله حال لازمة أو استئناف. قوله:(والمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب الخ) فضمير يقدرون والمقدر على أحد الوجهين للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وفي الوجه السابق لأهل الكتاب وعدم قدرتهم عليه أنهم لا ينالونه كما في أحد الوجهين أولآ ونفى النفي المراد به إثبات علمهم بنيل الرسول والمؤمنين لفضل الله، ورحمته. قوله:(فيكون وأنّ الفضل عطفاً الخ الا على أن لا يقدوون لفساد المعنى فالمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب أنّ النبيّ، والمؤمنين به لا يقدرون على شيء من فضل الله، ولا ينالونه بل هم الذين يقدرون على حصر فضل الله، واحسانه على أقوام معينين أي فعلنا ما فعلنا لئلا يعتقدوا، ولأنّ الفضل بيد الله فهو
من عطف الغاية على الغاية، وهو دفع لما أورد على عدم الزيادة من أنه غير ممكن لأنه يقتضي أن يكون المعنى لئلا يعلموا أنّ الفضل بيد الله، وهو باطل. قوله: (وقرئ ليلا) أي بلام مكسورة بعدها ياء ساكنة، ثم لام مخففة وألف، وقوله. ثم أبدلت أي اللام الثانية المدغمة التي كانت نوناً، ثم قلبت وأنما أبدلت لثقل توالي الأمثال كما فعلوا في قيراط، ودينار فإنّ أصله قرّاط ودنار فأبدل أحد المثلين فيه ياء للتخفيف، وهذا وإن لم يكن كلمة واحدة بوزن فعال فإنّ أهل الصرف شرطوا فيه أن يكون اسماً جامداً بوزن فعال إلا أنهم شبهوه به، وقوله: وقرئ ليلا أي بفتح اللام مع الإبدال كما في اسم المرأة بعينه، وقوله: على أنّ الأصل الخ فأصل لام الجرّ الفتح كما سمع عن بعض العرب فتحها، وكذا كل حرف مفرد على قول النحاة لكنها كسرت لتناسب حركتها عملها، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ هو حديث موضوع، وقوله: كتب المراد رزقه الله الأمن من سوء الخاتمة، والا لم يكن ظاهرا تمت السورة بحمد الله، ومنه والصلاة والسلام على أفضل رسله الكرام، وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام.