ووهبين وذو الفوارس علمان لموضعين، ومجتازا لمرتعه أي مارا بمحل يرتع فيه والربب
بالراء المهملة والباءين الموحدتين بزنة عنب جمع ربة بالكسر والتشديد، وهو النبت الذي يرعى بالصيف وليس نبتا معيناً كما في شرحه وبه فسره في المجمل أيضا، وتدعو فيه بمعنى تجذب وتحضر في الأصل وتجوّز به عن كونه نبتاً حسناً لا تفارقه البقر إذا رأته فجعل ذلك كأنه يدعوها على أنه استعارة تمثيلية أو تبعية، ولذا قال: مجاز من جذبها الخ. وقوله: لمن فرّ الخ، متعلق باحضارها وذكره إشارة إلى أنّ ما في الآية أيضا استعارة بتشبيه استحقاقهم للدخول
فيها بالدعوة لهم ولذا استشهد له ييت ذي الرمّة. قوله:(تدعو رّبانيتها) أي تجذبهم وتحضرهم لها فهو على حقيقته، والتجوّز في الإسناد أو يقدر فيه مضاف ودعاه بمعنى أهلكه الظاهر أنه حقيقة أيضاً، وهو خلاف المشهور في استعماله وإن ورد في كلامهم كقوله: دعاك الله من رجل يافعي وقوله: حرصاً وتأميلاً أي طول أمل وكل منهما علة لكل منهما، وكونه على اللف والنشر بعيد معنى. قوله:(شديد الحرص الخ) لأنّ سرعة الجزع إذا مسه المكروه، وسرعة المنع إذا ناله الخير فهي صفة مفسرة له، وقال ثعلب: إنّ الله فسر. بتفسير لا يكون تفسير أوضح منه فكان إذا سئل عنه قرأ هذه الآية وقال هو كقوله في الألمعي:
الألمعي الذي يظن بك الظن كان قد رأى وقد سمعا
وهو كلام حسن يناسب كون جزوعاً ومنوعا صفتين كاشفتين لهلوعاً كما قيل، ولا ينافيه
ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من الحالية فإنها قد تكون مفسرة وإن كان الأول أولى، وقوله: الضرّ بفتح الضاد المراد به ضيق المعيشة بدليل ما يقابله. قوله:(أحوال مقدّرة الخ) لأنه في حال الخلق لم يكن كذلك وأنما حصل له ذلك بعد تمام عقله ودخوله تحت التكليف إن أريد اتصافه بذلك بالفعل فإن أريد مبدأ هذه الأمور من الأمور الجبلية والطبائع الكلية المندرجة فيها تلك الصفات بالقوة كانت الحال غير مقدرة بل محققة، وهذا الوجه الثاني هنا هو بحسب المآل ما ذكره في الكشاف بعينه إلا أنه قال: إنّ الإنسان لإيثاره الجزع والمنع ورسوخهما فيه كأنه مجبول عليهما مطبرع، وكأنه أمر خلقي ضروري غير اختياري كقوله تعالى:{خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}[سورة الأنبياء، الآية: ٣٧] فجعله استعارة لا أنه خلقي فيه حقيقة بناء على مذهبه كما بيته وزيفه في الانتصاف والمصنف رحمه الله تعالى جعله حقيقة بناء على قاعدة أهل الحق قصداً للرد عليه ضمنا فيما زعمه من أنّ الخلق على هذه الصفة قبيح لا يصح إسناده إلى الله تعالى كما سيأتي، ثم إنه بعد كونه مطبوعا عليها هل تزول أم لا اختلف فيه في علم الأخلاق فقيل: إنها تزول بالمعالجة، ولولاه لم يكن للمنع منها والنهي عنها فائدة فإنها ليست من لوازم الماهية فالله كما خلقها يزيلها وقيل: إنها لا تزول وأنما تستر ويمتنع المرء عن آثارها الظاهرة كما قيل:
والطبع في الإنسان لا يتغير
قوله:(أحوال مقدّرة أو محققة الخ) شروع في الرد لما في الكشاف من الانتصار لمذهبه
لما رأى الآية مخالفة له حيث قال إنه استعارة لشدّة تمكن الهلع ورسوخه حتى كأنه أمر طبيعي
وأيده بأنه في البطن والمهد لم يكن به هلع وانه ذم والله لا يذم فعله، والدليل عليه استثناء المؤمنين المجاهدين لأنفسهم بترك الشهوات حتى لم يكونوا مانعين ولا جازعين يعني أنه ليس بخلق الله لأنه قبيح لا يصدر عنه مثله، والدليل عليه أنه لو كان خلقياً ظهر في المهد والبطن وكان الله ذم ما هو فعل له ولم يذمهم والواقع بشهادة العقل خلافه فلذا صح استثناء المصلين الموصوفين بما ذكر منهم بخلاف ما إذا أريد ما جبلوا عليه لاستوائهم معهم، وعدم مخالفتهم لهم في الأمور الجبلية وما يكون لنوع الإنسان في الطفولية فذكر ثلاثة أدلة لنصرة مذهبه، وتأويله الآية بما ذكره فيها فرد المصنف رحمه الله تعالى الأول بأنها طبائع حقيقة لا مستعارة كما تكلفه وعدم ظهورها في البطن والمهد غني عن الرد لأنّ ما في البطن لا يعلمه إلا الله واسم الإنسان إنما وقع عليه بعد الوضع فذكر ما قبله لا وجه له، وفي المهد هو متصف به بلا شبهة حتى لو نزع الثدي منه أو أبطأ لحظة كان في غاية الجزع والهلع وامّا أنه لا يذم فعله فمسلم لأنه ذم لما قام بالعبد منه باعتبار قيامه به وكسبه لا باعتبار إيجاده كما حقق في الكلام، والجواب عن الاستثناء سيأتي قريبا والحكمة