والمصنف كثيرا ما يتسامح في أمر التعدية فلو قيل: إنه ضمنه معنى حير فعداه لم يبعد. قوله:(أو تحسيناً له (هذا أيضاً غير ملائم للسياق لأنه لو استحسنه لم يقل له: قم بل يقول كما قال:
أيها الراقد في لذاته نم هنيئا إنّ عيني لم تنم
وقوله: إذ روي الخ هذا لم يصح وحديث مرط عائشة في ليلة النصف من شعبان بالمدينة لا في بدء الوحي، وقد اعترض عليه في الانتصاف بأن السورة مكية وبناؤه صلى الله عليه وسلم على عائثة كان بالمدينة، وإنما كان ذلك في بيت خديجة كما ورد في الأحاديث الصحيحة والتصدي لتوجيهه بما في جامع الأصول من أنه-شي! تزوج عائشة بمكة قبل الهجرة بثلاث، ودخل عليها بالمدينة فيجوز أن يبيت ليلة في بيت الصديق بعد العقد ويتغطى ببرد لها وباقيه عليها فحكته بعد ذلك أم المؤمنين رضي الله عنها تكلف لا يتأتى مع مخالفته الأحاديث الصحيحة، ومثله لا يكفي فيه مجزد الاحتمال وقد عرفت أنّ هذا الحديث المذكور لم يقع في الكتب الصحيحة كما قاله ابن حجر قال أبو حيان: إنه كذب صريح فترك الاشتغال بالقيل، والقال فيه هو الصواب وقوله: مفروش على عائشة الأحسن أن يقول مطروج، ونحوه إذ القرس يكون على الأرض وما ضاهاها والمرط بكسر الميم كساء من صوف. قوله: (أو تشبيها له في تثاقله الخ) يعني أنه استعارة فشبه عدم التمرن فيما ذكر بالنوم على فراش مغطى ووجه الشبه تعطيل الأمور أو التثاقل فيها وحمله على التجوّز مع صحة الحمل على المعنى الحقيقي كما مز
لأنّ القرينة غير قطعية، ولو جعل كناية كان أنسب بقواعد المعاني والأحسن تركه لما فيه من سوء الأدب كالوجه الأوّل مع مخالفته للقواعد أيضا. قوله:(أو من تزمل الزمل) بالكسر كالحمل لفظا ومعنى فهو استعارة أيضا لكن وجه الشبه فيه مختلف ففي الأول ما مر، وفي هذا شبه إجراء التبليغ بتحمل الحمل الثقيل، ووجه الشبه ما فيهما من المشقة وهذا أحسن مما قبله لكن يرد عليه إنه مع صحة المعنى الحقيقي واعتضاده بالأحاديث الصحيحة لا وجه لادعاء التجوّز فيه وسيأتي في أول المدثر تحقيقه إن شاء الله. قوله:(أي قم إلى الصلاة) هذا على غير وجه التحسين له إذ قام يصلي وفوله: أو داوم عليها على ذلك الوجه ولا وجه لتخصيص الأول بالأوّل والثاني بالثاني كما قيل، والظاهر أنّ معمول قم مقدر عليهما والليل منصوب على الظرفية أو على التوسع والإسناد المجازي، وكسر ميم قم عند الجمهور لالتقاء الساكنين وقرأها أبو السماك بالضم اتباعا لحركة القاف وفتحت أيضاً للتخفيف. قوله:(ونصفه بدل من قليلاَ الخ) ذكروا فيه وجوهاً أربعة كما في الكشاف مع كلام فيه فالأول هذا، وهو أن يكون الاستثاء من الليل ونصفه بدلاً من قليلا وهو الوجه الثاني في الكشاف وقدمه المصنف لظهوره وسهولة مأخذه، وموافقته لقراءة النصب ومعناه التخيير بين قيام الضف وما فوقه وما دونه، وضمير منه وعليه حينئذ للنصف بلا كلام إنما الكلام في ضمير نصفه فإن أبا حيان أورد عليه إنه لا يخلو من عود. على المبدل منه أو على المستثنى منه ولا يجوز الأول لأنه يكون استثناء مجهول من مجهول إذ التقدير إلا قليلاً نصف القليل ولا الثاني لأنه يلغو فيه الاستثناء إذ لو قيل: قم الليل نصفه أو زد عليه، أو انقص أفاد معناه على وجه أوضح وأخصر وأبعد من اللبس وقد رده المعرب بأن قوله: استثناء مجهول من مجهول غير صحيح لأنّ الليل معلوم، وكذا بعضه من النصف وما دونه وما فوقه مع أنه لا ضير في استثناء المجهول من المعلوم نحو فشربوا منه إلا قليلا فالصواب إبدال مجهول من مجهول مع أنه لا محذور فيه كجاءني جماعة بعضهم مشاة فمن ظنه محذوراً حتى عين الثاني لم يصب وعلى الثاني ليس الاستثناء لغواً لأن فيه تنبيهاً على تخفيف القيام، وتسهيله لأن قلة أحد النصفين تلازم قلة الآخر وتنبيهاً على تفاوت ما اشتغل بالطاعة وما خلا منها لإشعاره بأنّ البعض المشغول بذكر الله بمنزلة الكل مع البيان بعد الإبهام الداعي للتمكن في الذهن وزيادة التشويق، وقد استدل به من قال: يجوز استثناء النصف وما فوقه على ما فصل في الأصول. قوله:(وقلته بالنسبة إلى الكل) جواب عما يرد عليه من أن النصف كيف يكون قليلاً، وهو مساو للنصف الآخر بأن القلة بالنسبة إلى الكل لا إلى عديله والتزامه بجعل النصف المتحلى بالعبادة لما عف ثوابها كأمثالها وزيادة زيادة على الآخر فلذا