موصوف بهذه الصفات يقصر إنكارهم عليه فحق التعبير حيمئذ ما أنكروا إلا نفي آلهتهم، أو ما أنكروا إلا
إثبات معبود غير معبودهم لكن لما كان مآل الإنكار إنكار المعبود بحق الموصوف بصفات الجلال والإكرام عبر بما ذكر، وعدل عما هو مقتضى الظاهر إثباتا للمنكر في ضمن ذكر نفيه فهو من ذلك القبيل لأنه تأكيد الإثبات بما يشبه النفي واليه أشار في الكشاف، وشروحه فلا وجه لما قيل في دفعه من أنّ الإيمان بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض وهو على كل شهيد شيء لا يمكن أن يكون عيبا عند أحد فلا بد لصحة الاستثناء من تنزيله منزلة العيب أي لو كان فيهم عيب كان هذا فيكون نهاية في نفي العيب هذا إذا كان المراد ما أنكروا إلا الإيمان بالله الموصوف في اعتقادهم، أمّا لو أريد الإيمان بالله الموصوف في الواقع بهذه الصفات فالاستثناء على ظاهر. من غير مرية، والفلول جمع فل بالفتح وهو الكسر في حد السيف أو مصدر كالقعود بمعنى الكسر فيه، والقراع المضاربة بآلات الحرب والكتائب بالمثناة جمع كتيبة وهي الجيش العظيم، وفي الحواشي هنا كلام لا معنى له فتركه خير من ذكره فتدبر. قوله:(غالباً الخ) تفسير للعزيز كما أنّ منعماً الخ تفسير للحميد إشارة إلى أنّ الحمد هنا بمعنى الشكرك فإنه غلب عليه في الاستعمال، وقوله: عزيزا غالبا يخشى عقابه وقع موزوناً من بحر الوافر لكنه لا يسمى شعر العدم القصد فيه، ومثله: كثير فلا يلتفت لما توهم من أنّ تغيير عبارة الزمخشبريّ لذلك، وقوله: وقرّر ذلك أي كونه غالباً مخشياً ومنعماً مرجواً لأنّ مالكيته لنا ولما معنا يدل على عظيم الأنعام ومن يفعل مثله يرجي أعظم رجاء:
واني لأرجو الله حتى كأنما أرى بعيون الظن ما الله صانع
ومن كانت له هذه القدرة، وهو عالم بأفعال عبيده فهو الغالب الذي يخشاه من يعزف العواقب، وقوله: للأشعار الخ متعلق بقوله: قرّر، وقوله: به تنازعه يستحق ويؤمن فهو مقرّر لما قبله ومثبت لوجوب الإيمان ولزوم الطاعة له. قوله تعالى:( {إِنَّ الَّذِينَ} الخ) قوله: فلهم خبر أنّ ودخلته الفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط ولا يضرّه دخول إن كما ذهب إليه الأخفش وعذاب جهنم فاعل الظرف أو مبتدأ، وقوله: بلوهم بالأذى أي اختبروا ثباتهم على الإيمان بأذيتهم لهم وهو تفسير لقوله: فتنوا وبلوا من الابتلاء وهو الاختبار، وقوله: بكفرهم إشارة إلى أنّ عذاب الكفار يضاعف بما قارنه من المعاصي كما سيأتي تقريره. قوله:(العذاب الزائد في الإحراق) الزيادة من صيغة فعيل فإنهما للمبالغة، وهو بيان للتغاير بين المتعاطفين كما هو حق العطف ولا وجه لما قيل إنهما واحدا ولو جعل من عطف الخاص على العامّ للمبالغة فيه لأنّ عذاب جهنم بالزمهرير والإحراق وغيرهما كان أقرب ويوضحه إضافة العذاب للحريق
فلا حاجة إلى القول بأنها بيانية أو الحريق مصدر. قوله:(وقيل المراد بالذين فتنوا الخ) إشارة إلى أنّ الذي اقتضاه سبب النزول أن يراد بهم كفار قريش وأذيتهم لمن أسلم في ابتداء الإسلام أو الأعمّ منهم ومن أصحاب الأخدود فإنه تذييل لما قبله، وفي جعل الحريق جزاء الفتنة دقيقة تظهر لمن له ذوق ووجهه تمريضه ظاهر مما ذكرنا. لا لأنه لم ينقل أنّ أحداً منهم تاب كما أورده أبو حيان على الزمخشريّ في ترجيحه لهذا الوجه بمقتضى التذييل وقد عرفت توجيهه فتأمّل، وقوله تعالى:{ذَلِكَ الْفَوْزُ} الإشارة إلى كون ما ذكر لهم، وقوله:(إذ الدنيا) بيان لوجه وصفه بالكبير. قوله:(فإن البطش الخ) إشارة إلى ما في وصفه بالشدة من المبالغة، وقوله: يبدى الخ تفسير له بما صرّح به في غير هذه السورة أي ومن كان قادرا على الإيجاد والإعادة إذا بطش كان بطشه في غاية الشدّة، وبهذا ظهر تعليل هذه الجملة لما سبق وعلى ما بعده وهو أظهر وقيل في وجهه إنّ الإعادة للمجازاة فهي متضمنة للبطش، والأوّل أقرب وأسدوا ما جعل البدء والإعادة في الآخرة وإنه كقوله تعالى:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا}[سورة النساء، الآية: ٥٦] ففي غاية البعد. قوله:(لمن تاب) خصه به إمّا لمناسبة مقام الإنذار أو لما في صيغة الغفور من المبالغة فأصل المغفرة لا يتوقف على التوبة، وزيادتها بما لا يعلمه إلا الله للتائبين فلا يتوهم أنّ هذا لا يوافق مذهب أهل السنة، وإنه غفلة منه لاتباعه للزمخشريّ في مثله. قوله:(المحب لمن أطاع) ففعول مبالغة، وهو بمعنى اسم الفاعل لا المفعول على أنّ المعنى يحبه خلص عباد. لأنه خلاف