للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لإشتراكهما في إطلاق اسم العين عليهما، ولقد أطلنا الكلام وسحبنا ذيل البيان إثر هؤلاء الأعلام، لأنه من مزالّ الأقدام. قوله: (لمن آ-ماه ضرباً من الهدى إلخ الما رأى المصنف رحمه الله ما في الكشاف يؤل إلى وجه واحد لتقارب ما فسر به النور والظلمات لف النشر، ولئم الشعث فجعلها وجهاً واحداً؟ وزاد وجهاً آخر ذكره بعضهم وتبع السكاكيّ في جعل التمثيل مركباً من غير التفات لغيره أصلا على دأبه في التحقيق والتنقيح والإيجاز، والمعنى أنه تمثيل أستعير فيه النور للهدى والظلمات لإضاعته، وما يتبع ذلك من مباشرة الأسباب التي خابت فأوقعتهم في تيه الحيرة والحسرة، فضمير مثلهم لمن في قوله {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: ٨] إلخ أو للذين اشتروا الضلالة، والموصول فيهما عامّ لكل من أظهر الإيمان، وأضاعه بإضمار خلافه أو بعدم الدوام عليه، ولكل من استبدل هديّ مّا بضلال مّا، وان لم يكن كفر لأنه وان نزل في شأن المنافقين لا ينافيه لأفي العبرة بعموم اللفمل لا بخصوص السبب، فيعمّ غيرهم نظراً للظاهر، وهذا هو الوجه الأولّ فيئ كلام المصنف رحمه الله، أو يقالى إنه مختعر بهم لما في الموصول من العهد تقاضي ما قبله وما بعده له، وهذا هو الوجه الثاني، إذا عرفت هذا فقوله ضرباً من الهدى مفعول آتاه بمعنى أعطاه أي نوعا منه، وفيه إيهام حسن وتجنيس، والمراد به مطلق الهداية الشاملة لإجراء لكلمة والإيمان الظاهر أو الجبلي، أو الذي تمكنوا منه، وهذا من الإضاءة ولذا نكر ضربا إشارة إلى تنكير نارا في الآية، والإمام فأضاعه أي بالنفاق أو الكفر وما يضاهيه وهذا من ذهاب نورهم وتجارتهم الخاسرة، وقوله ولم بتوصل به من الظلمات المتراكمة التي مرّ تفسيرها، ومراده بالآية الأولى قوله {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ} إلخ أو قوله ومن الناس إلخ على ما بيناه لك آنفاً، وقد عرفت أن الزمخشرفي جوّز إرجاعه إلى جميع ما قبله من حال المنافقين، وافراد الآية لا يأباه والمتبادر من الأولى تقدمها غير ملاصقة، وقوله حين خلوا إلى شياطينهم مفاد عليه فهو الحق، وان خالفوه نعم دخول من صح له الأحوال في الثاني أظهر، وهو الذي

دعاهم إلى تعيينه مع قوله الهدى فينبغي أن يكون داخلاَ فيه لأنّ دخوله تحت الأوّل محتاج إلى التكلف فالمعنى أنّ هؤلاء ممن اشترى الضلالة بالهدى على أنه من حمل العامّ على الخاص من غير تخصيص، كما عرفته فالتمثيل عامّ شامل للمنافقين، وغيرهم ولا يمنعه ضمير مثلهم الراجع إليهم كما قيل لما أسلفناه، وجعله ضربا من الهدى باعتبار الظاهر أو الابتداء كما في حال المرتدين فلا يتوهم أنّ إقترانه بالنفاق، ونية الخداع وتحصيل أغراضهم الفاسدة تصيره فاسدا ابتداء فلا يحصل لهم حتى يضيع، كما قيل وقوله تقريرا مفعول له، وتعليل لقوله ضربه إلخ وتقريره وتوضيحه يقتضي عدم عطفه لشدة إتصاله فإن كان تقريراً لقوله ومن الناس إلخ فلأنه لما دلّ على أنهم ادّعوا الإيمان وأبطله الله تعالى بقوله {وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} كانوا كمن أوقد نارا فأنطفأت في الحال، وكذا إن كان لقوله (اشتروا) إلخ فإنهم لما اختاروا العمى على الهدى، وبقوا عدم الاهتداء كان هذا مثلهم فصوّر المعقول بصورة المحسوس توضيحاً وتقريراً له وتصويرا له بصورة المشاهد كما قال في الكشاف لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة في الكشف وتتميماً للبيان، وما قيل هنا من إنّ ضمير مثلهم راجع إلى المنافقين قطعاً فلا يتصوّر العموم، وشموله لغيرهم إلا بجعله مستفادا من دلالة النص كدلالة لا تقل لهما أف على النهي عن الإيذاء، أو من إشارته ليس بشيء فإنّ المراد بالمثل الذي بمعنى الحال إضاعة الهدى، وعدم التوصل به إلى الكمال، واستبطان الكفر إخفاؤه مع المؤمنين، وقوله ومن آثر الضلالة إلخ الظاهر أنهم المنافقون لا الكفار الذين تمحض كفرهم لعطفه بالواو. قوله: (ومن صح له أحوال الإرادة إلخ) هذا من بعض البطون القرآنية على نهج حكماء الإسلام الإشراقيين، وأرباب السلوك من المتصوّفة، والأحوال في إصطلاحهم هي ميراث العمل من المواهب الفائضة من الله تعالى قالوا وسميت أحوالا لتحوّل العبد بها من دركات البعد إلى درجات القرب، وقريب منه ما قيل الحال ما يرد على القلب بمحض الموهبة من غير تعمل واجتلاب كحزن وخوف وقبض، وبسط فإذا دام سمي مقاما، والإرادة حال المريد، وهو السالك في لسانهم فإرادته ما يلقى في قلبه من الدواعي الجاذبة له إلى الإجابة لمنادي الحق، فإذا حصل له هذا وهو منزل من منازل السير

<<  <  ج: ص:  >  >>