للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأصبع أي أصبعهم في آذانهم مبالغة في السدان لم يحمل على التوزيع، وقيل إنّ في قولهم آذان دون صماخ مبالغة أيضا، ولا يخفى أنّ الجعل مع في بمعنى الإدخال يأباه، وقال علامة الروم في تعليقات الفرائد في قوله تعالى {يَجْعَلُونَ} مبالغة في فرط دهشتهم وكما حيرتهم من وجوه.

أحدها نسبة الجعل إلى كل الأححابع، وهر منسوب إلى البعض منها وهو الأنامل.

وثانيها من حيث الإبهام في الأصابع والمعهود إدخال إصبع مخصوص هو السبابة فكأنهم

من فرط دهشتهم يدخلون، أيّ إصبع كانت في آذانهم ولا يسلكون المسلك المعهود.

وثالثها في ذكر الجعل موضع الإدخال فإن جعل شيء في شيء أدل على إحاطة الثاني

بالأوّل من إدخاله فيه، وهذه دقائق لم يتنبهوا لها.

فإن قلت: هل هذا من المجاز اللغوي لتسمية الكل باسم جزئه، أو للتجوّز في الجعل،

أو هو من المجاز العقلي بأن ينسب الجعل للأصابع وهو للأنامل.

قلت: الذي ذكروه في كتب المعاتي وغيرها أنه من الأوّل الآ اًنّ للمتأخرين فيه كلاما

فقال خاتمة المحققين ابن كمال في تكميل الفرائد أيضاً أنهم ظنوه مجازا لغويا، وهو مجاز عقليّ بإسناد ما للبعض إلى الكل، لأنّ المبالغة في الاحتراز عن إستماع ائصاعقة لفرط الخوف إنما تكون على هذا لا على ما قالوه، ولخفاء الفرق بين الاعتبارير، قال: في شرح المفتاح في إطلاق الأصابع على الأنامل مبالغة يخلو عنها ذكر الأنامل، والمبالغة إنما تتأتى إذا كانت الأصابع باقية على حفيقتها إذ لا مب لغة في ذثرها مراداً بها الأنامل، كما لا مبالغة في رجل عدل إذا أوّل بعادل على ما صرّح به القوم تبعاً لصاحب الدلائل، وارادة الأنامل من الأصابع مجاز مرسل، وإنما المبالغة في جعل أجزاء الأصابع في الأذن، والتجوّز في تعلق الجعل لا في متعلقه، وهو الأصابع ثم أنّ بعض فضلاء العصر قال: فيما قرّره القوم نظر آخر لأنه قد يقال إنه لا مجاز هنا، وذلك لأنّ نسبة بعض الأفعال إلى دّي أجزاء تنقسم، يكفي فيها تلبسه ببعض أجزائه، كما يقال دخلت البلد وجئت ليلة الخميس ومسحت بالمنديل ونحوه، فمعنى نسبة الجعل في الأذن إلى الأصبع إذا تليس ببعض منه، وهو الأنملة صحيح حقيقة من غير إحتياج إلى التجوّز في الكلمة أو الإسناد، أو على تقدير مضاف كأنملة أصابعهم.

أ! دول الذي غرّه هذا قول بعض أهل المعاني أنّ المجاز المرسل لا يفيد مبالغة كالاستعارة، وهو غير مسلم عند العلامة لتصريحهم بخلافه في مواضع من الكشاف وبه نطقت زبر المتقدّمين، ولو لم يكن كذلك كان العدول عن الحقيقة في أمثاله عبثا لا يحوم مثله حول حمى التنزيل، ويكفي في المبالغة تبادر الذهن إلى أنّ الكل أدخل في الأذن قبل النظر للقرينة كما لا يخفى على ذي بصيرة نقادة وفطنة وقادة، وأمّا كون مثل دخلت البلد لمن دخل دارا منها حقيقة فليس على إطلاقه ولعل النوبة تفضي إلى تحقيقه في نحل آخر،، ثم أنه قال في الكشاف: إنّ ما يسد الأذن أصبع خاصة وهي السبابة إلا أنها لما كانت فعالة من السب كان اجتنابها أولى بأدب القرآن، ولذا كنوا عنها لاستبشاعها بالمسبحة والسباحة والمهللة والدعاءة. اهـ وهذا كما قال المعرّي:

يشار إليك بدعاءة ويثني على فضلك الخنصر

وقال التبريزي: في شرح سقط الزند أنها يوما بها في الخصام فكأنها يسبّ بها ويفظع،

أو هي من السبب لأنها تشير للشيء فهي سبب لمعرفته فنزهه عن تسميتها سبابة لأنها مشتقة من السب فجعلها دعاءة. اهـ والمصنف لم يلتفت لهذا أمّا لأنه لا وجه لما ذكره من الاختصاص أو لأنّ هذا مقام ذم وسب لهم فالسبابة أنسب به كما لا يخفى، وهذا من الحور المقصورة في خبايا الأذهان والأزهار التي لم تنفتح لها كمام الآذان. قوله: (أي من أجلها يجعلون إلخ) جعله متعلقاً بيجعلون لأنّ تعلقه بالموت، وان صح بعيد كما في سقاه من العيمة أي من أجلها، بمعنى أنها الباعث وذلك لأنّ من هنا تغني غناء اللام في المفعول له فهي تعليليه، وقد يكون غاية يقصد حصولها، وقد يكون باعثاً بتقدّم وجوده كما قيل، وقيل: من ابتدائية على سبيل العلية، وما بعدها أمر باعث على الفعل الذي قبلها كقعد من الجبن، ولا يكون غرضاً مطلوباً منه إلاً إذا صرّح بما يدل على التعليل ظاهراً، كقولك: ضربته من أجل التاديب بخلاف اللام فإنها تستعمل في كل واحد

<<  <  ج: ص:  >  >>