للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والظاهر أنّ الصاعقة في الأصل صفة وتاؤها للتأنيث إن قدرت صفة لمؤنث كقصفة، أو للمبالغة إن لم تقدّر كذلك، كراوية أو هي للنقل من الوصفية إلى الاسمية كما في حقيقة، أو هي مصدر رسمي به لأنّ

فاعلا مع التاء، وبدونها يكون مصدرا لكنه نادر مقصور على السماع كما مرّ في الفاتحة، ومنه العافية بالفاء بمعنى العفو، ويجوز أن يكون بالقاف والباء الموحدة لأنه قيل في قوله تعالى {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: ١٢٨] إنه مصدر بمعنى العقبى والكاذبة بمعنى الكذب وهذا أضعفها، ولذا أخرّه المصنف رحمه الله. قوله: (ئصب على العلة) يعني أنه مفعول لأجله ولما كان الغالب فيه التنكير، وجرّ ما ورد منه معرفا باللام استشهد له بالبيت المذكور وهو من قصيدة لحاتم الطاتي الجواد المشهور حث فيها على مكارم الأخلاق والصبر على أذى الأقرباء ومداراتهم وأوّلها:

أتعرف أطلالاً ونؤيا مهدما كخطك في رق كتاباً منمنما

ومنها:

إذا شئت ماريت امرأ السوء ما ترى إليك ولاطمت اللئيم الملطما وعوراءقدأعرضت عنهافلم تضر وذي أود قومته فتقوما

وأغفر عوراء الكريم إدخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما

ولا أخذل المولى وإن كان خاذلا ولا أشتم ابن العم إن كان مفحما

وهي طويلة. وقال ابن يسعون أنه لم يقل قديماً في معناها أحسن منها، وأغفر هنا بمعنى

أستر أو أعفو وأصفح، والعوراء الخصلة والفعلة القبيحة كلاما كانت أولاً، وتفسيرها بالكلمة القبيحة غير مناسب هنا، إلا أنه شاع القول للكلمة القبيحة عوراء كما يقال لضدها عيناء أي أتحمله وأسترزلته لتدوم مودّته كما قيل:

تريدمهذباً لاعيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان

فالمراد بإدخاره إدخار مودته ومحبته، والضمير للكريم أو للغفران المفهوم من أغفر، والشاهد فيه حيث نصبه على أنه مفعول له مع أنه معرفة بالإضافة وأكثر في مثله جرّ. باللام، كقوله {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: ا] وتكرما مفعول له أيضاً على الأصل في بابه واستشهادهم بهذا البيت هنا في موقعه والمراد بالتكرّم المبالغة في الكرم لا تكلفه وإن صح هنا.

وقال أبو حيان إعرابهم له مفعولاً له مع اسنيفائه شروطه فيه نظر، لأنّ قوله من الصواعق

في المعنى مفعول له، ولو كان معطوفا لجاز كقوله تعالى {ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ} [البقرة: ٢٦٥] وقد جوزوا أن يكون منصوباً على المصدر أي يحذرون حذر الموت، وما ادّعاه لا يتم له بسلامة الأمير، فإنّ لزوم العطف في نحو زرت زيداً لمحبته إكراماً له غير مسلم، وما استشهد به لا شاهد فيه.

وقال ابن الصائغ رحمه الله: ومن خطه نقلت بعدما ذكر ما قاله أبو حيان جوابه أنهما إمّا نوعان: أحدهما منصوب، والآخر مجرور، فهما كالمفعول معهما في قوله تعالى {أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: ١٠] في أحد القولين وأمّا أنّ من الصواعق علة ليجعلون أصابعهم في آذانهم أي لمطلق الجعل، وحذر الموت علة للفعل المعلل أي للفعل مع علته، وهو كلام نفيس فليحفظ فإنّ هذه المسثلة لم يصرّح بها أحد من أهل العربية. قوله: (والموت زوال الحياة إلخ) قال المتكلمون الحياة قوّة هي مبدأ للحس والحركة، وقيل: قوّة تتبع اعتدال النوع وتفيض عنها سائر القوى الحيوانية كما فصلوه مع ما له وعليه، والموت زوال الحياة ومعنى زوال الصفة عدمها عما يتصف بها بالفعل، فبكون عدم ملكة للحياة كالعمى الطارىء على البصر لا مطلق العمى، ولا يلزم كون عدم الحياة عن الجنين عند استعداده للحياة موتاً.

وعلى هذا حمل قول المعتزلة أنّ الموت فعل من الله أو من الملك يقتضي زوال حياة الجسم من غير جرح، واحترز بالقيد الأخير عن القتل، وحمل الفعل على الكيفية الصادرة مبني على أنّ المراد به الأثر الصادر عن الفاعل، إذ لو أريد التأثير كان ذلك إماتة لا موتاً، واستدل على كون الموت وجودياً بقوله تعالى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: ٢] فإنّ العدم لا يوصف بكونه مخلوقاً، وأجيب بأنّ المراد بالخلق التقدير أي تعيين المقدار بوجه مّا وهو حقيقة لغة كما قال:

ولأنت تفري ما خلقت وب! ض القوم يخلق ثم لا يفري

<<  <  ج: ص:  >  >>