للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو مما يوصف به المعدوم والموجود لأن العدم له مدّة ومقدار معين عنده تعالى {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: ٨] ولو سلم فالمراد بخلق الموت إحداث أسبابه، فالمراد بخلق الموت والحياة خلق أسبابهما وهيأها.

وأمّا ما قيل من أنّ أعدام الملكات الطارئة مخلوقة أيضا لأن من شأنها التحقق، فقد قيل

عليه أنه إن أراد بالخلق الإيجاد لم يستقم، إذ مجرّد التحقق لا يكفي في الإيجاد، دان أراد الإحداث استقام لأنه أعم من الإيجاد إلا أنه مجاز أيضاً باستعمال المقيد في المطلق، فلا يخرجه عن صرف الخلق عن ظاهره وحقيقته، وإن كان جواباً آخر، فللناس قيما يعشقون مذاهب: وأما ما ورد في الحديث من أنّ " الحياة فرس والموت كبش أملح " حتى ذهب بعض الظاهرية إلى أنهما جسمان فمن متشاب الحديث أو هو تمثيل محتاج للتأويل، وما وقع في شرح مسلم من أنّ الموت عند أهل السنة عرض، وعند المعتزلة عدم محض ليس بشيء، وان إغترّ به بعض أرباب الحواشي، فاعترض على المصنف بأنه تبع صاحب الكشاف في تقويره وتقديمه

لمذهب المعتزلة، وسيأتي لهذا تتمة إن شاء الله تعالى. قوله: (لا يفوتونه إلخ) في الكشاف واحاطة الله بالكافرين مجاز، والمعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط به حقيقة، وقال أبو عليّ الفارسيّ: يجوز في محيط أن يكون بمعنى مهلك كما في قوله تعالى {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة: ٨١] ويجوز أن يكون بمعنى عالم علم مجازاة ومكافأة كما في قوله تعالى {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} [الجن: ٢٨] وهؤلاء جعلوه مجازاً عن قدرته عليهم ففيه استعارة شبه اقتداره عليهم وكونهم في قبضة تصرّفه بإحاطة الجيش بالعدوّ بحيث لا يفوته ولا ينجيه منه حيلة وخداع، ثم إنه قيل إن شبه شمول القدرة لهم بإحاطة المحيط بما أ-ظ د به في امتناع الفوات كانت الاستعارة تبعية، وان شبه حاله تعالى معهم بحال المحيط مع المحاط بأن شبهت هيئة منتزعة من عدّة أمور بمثلها فهناك استعارة تمثيلية لا تصرف في مفرداتها، إلا أنه صرّح بالعمدة منها وقدر الباقي.

ومن زعم أنها استعارة تبعية لا تنافي التمثيلية لم يصب، وقد مرّ ردّه، وأنّ التركيب باعتبار ما ذكر مع لوازمه ليس بأبعد من اعتبار ألفاظ منوية مقدرة فتذكر ما أسلفناه، تكن على هدى. قوله: (والجملة اعتراضية إلخ) فالواو فيه اعتراضية لا عاطفة ولا حالية، كما بئن في كتب العربية، والاعتراض يكون في وسط الكلام وفي آخره، والمراد بآخره تمامه وانقطاعه حقيقة، كآخر السور والخطب والقصائد، لا آخر الجمل المنقطعة عما بعدها بوجه من وجوه القطع المذكور في باب الفصل والوصل، فما نحن فيه من القسم الأوّل، ولذا قال أبو حيان أنها دخلت بين هاتين الجملتين يجعلون أصابعهم، ويكاد البرق، وهما من قصة وتمثيل واحد، فما قيل من أنّ هذا الاعتراض على مسلك الزمخشريّ وأقع في آخر الكلام، ومخالف لمختار الجمهور من تخصيصه بإثناء الكلام أو الكلامين المتصلين معنى، ولذا عدل عنه المصنف رحمه الله خيال فارغ غنيّ عن الردّ، ثم أنّ الجملة المعترضة لا بذ من مناسبتها لما اعترضت فيه والاً كانت مستهجنة، واشترط أكثر فيها كونها مؤكدة للكلام، وسمى الأدباء ما تمت مناسبته حشو إللوزنيج، وضدّه حشو اكبر، وما نحن فيه من الأوّل لأنّ أصله والله محيط بهم أي بذوي الصيب، فوضمع فيه الظاهر وهو الكافرين موضع الضمير، والمراد بالكافرين قوم غير معينين جحدوا مولاهم وعبر به إشعاراً باستحقاق ذوي الصيب ذلك العذاب لكفرهم، وفيه تتميم للمقصود من التمثيل بما يفيده من المبالغة كما في قوله تعالى {مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} [آل عمران: ١١٧] لأنّ الإهلاك عن سخط أبلغ وأشد كما أفاده الطيبي طيب الله ثراه، ففيه تاييد للكلام الدال على اشتغالهم بما لا يفيدهم من سد الآذان حذر الموت، وقد أحاط بهم الهلاك بما كسبت أيديهم، وليس المراد بالكافرين المنافقين كما يوهمه قول المصنف رحمه الله، لا

يخلصهم الخداع والحيل لأنه من صفاتهم الشالفة في قوله {يُخَادِعُونَ اللهَ} [النساء: ١٤٢، إلخ على أنّ المراد بالحيل جمع حيلة مداراة المؤمنين ومداهنتهم لأنه لبيان مناسبة الاعتراض لما وقع فيه لأنّ من أحيط به ووقع في شرك الهلاك دأبه الخداع والتحيل في وجوه الخلاص، وبه تتم مناسبة التمثيل للممثل له، فلا وجه لما قيل هنا من أنّ هذا الاعتراض من جملة أحوال المشبه على أنّ المراد بالكافرين المنافقون فإنهم لا محيص لهم عن العذاب في الدارين، ووسط بين أحوال المشبه به تنبيهاً على

<<  <  ج: ص:  >  >>