الخيط الذي تنظم فيه الدرر وما ضاهاها وقع في كلام كثير من العلماء والأدباء كالزمخشري والحريرفي والسكاكيّ وغيرهم، إلا أني لم أره في كلام العرب بهذا المعنى ونظرت في كتب اللغة التي بأيدي الناس فلم أر في شيء منها تفسير. بما ذكر، والذي أراه في توجيهه أنه من الخريطة وهي الكيس فإنه يقال أخرطت الخريطة كما في المحيط الصاحبيّ من كتب اللغة فيكون على ضرب من التسامح فيه بجعل جمع الكيس كجمع العقد وهو قريب جداً والاستيجاب المراد به ألاستحقاق بفضله تعالى وضمن التبري معنى الفرار فعداه بإلى وهو ظاهر وقوله المستوجبين بصيغة الجمع صفة للمتقين أو بدل منه بمعنى المستحقين وبصيغة التثنية صفة للهدى والفلاح بمعنى المقتضيين لما ذكر، والهدى في الدنيا والفلاح في الآخرة. قوله:(نبه به) أي بما ذكر أو بالحال لأنها تذكر وتؤنث وأشار بقوله نبه إلى أنه ليس من منطوق اللفظ بل من إيمانه فإنه غير مخصوص بهؤلاء سواء عمّ الخطاب أو خص لكن التعبير بالترجي في حق الجميع يومئ إلى أنها رتبة عظيمة لأنّ طالب الحق لا يزال يترقى من حال إلى آخر، ويسمى ذلك سيرآ والسلوك معناه في اللغة مطلق الدخول ثم خص عند الصوفية بالدخول في طريق موصل للحق والسالك عندهم هو السائر إلى الله المتوسط بين المريد والمنتهى ما دام في السير وفسر التقوى بما ذكر وهو من مراتبها السابقة وقوله وأن العابد الخ هذا لما نظرا إلى ظاهر الترجي لأنه يستعمل فيما يحتمل الوقوع وعدمه فكل مترج خائف مما يؤذي إلى سخطه تعالى، ويحتمل أنه إشارة إلى حمل التقوى على معناه الأول الذي به يتقي العذاب فلا يتجه عليه شيء، ولا يرد ما قيل من أنّ المفهوم من لعل الرجاء دون الخوف إذ المراد خوف عدم حصول المرجوّ من التقوى المفضي إلى العذاب فينطبق حينثذ على ما استشهد به من قوله تعالى:{يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[سورة الإسراء، الآية: ٥٧] ويؤيده كون لعل يدل على الإشفاق أيضاً وفي احتماله ما يومئ لما ذكر لمن تدبر. قوله:(أو من حاشية الشهاب / ج ٢ / م ٢
مفعول خلقكم الخ) معطوف على قوله من الضمير في اعبدوا إشارة إلى ما في الكشاف بعد ما ذكر حقيقتها من الترجي والإشفاق وأنها تكون في كلامه تعالى للإطماع من أنها هنا ليست في شيء لأنّ الرجاء لا يجوز عليه تعالى، وحمله على أنه يخلقهم راجين للتقوى ليس بسديد فلعل هنا مجاز لأنه خلق عباده ليتعبدهم بالتكليف وركب فيهم العقول والشهوات وأزاح العلة عن أقدارهم وتمكينهم وهداهم النجدين ووضع في أيديهم زمام الاختيار وأراد منهم الخير والتقوى فهم في صورة المرجوّ منهم أن يتقوا ليترجح أمرهم وهم مختارون بين الطاعة والعصيان كما ترجحت حال المرتجي بين أن يفعل وأن لا يفعل ففي الكلام استعارة لتشبيههم بالمرجوّ منهم، وتشبيهه تعالى بالراجي فإنّ هناك حالة شبيهة بالرجاء وهي إرادته تعالى منهم التقوى فأمّا أن تعتبر استعارة كلمة الترجي للإرادة استعارة تبعية حرفية أو يلاحظ هيئة مركبة من راج ومرجوّ منه ورجاء فت! ون تمثيلية صرّج من ألفاظها بالعمد منها ونوى ما سواه فلا تجوّز في لعل كما مرّ تفصيله إلا أنه قيل إن كلامه يميل إلى الأوّل إلا أنه راعى الأدب فلم يصرّح بنسبة التشبيه إليه تعالى ولا إلى إرادته وإن صزح به فيئ محل آخر لأنه لا تظهر المشابهة بين الإرادة والرجاء إلا باعتبار حال متعلقيهما أعني المكلف والمترجي منه فذكر التشبيه بين حاليهما لتظهر تلك المشابهة في أنّ متعلق كل من الإرادة والترجي متردّد بين الفعل وعدمه مع رجحان ما لجانب الفعل فإنه تعالى وضع بأيديهم زمام الاختيار، وأراد منهم الطاعة كما هو مذهب المعتزلة ونصب لهم أدلة عقلية ونقلية داعية إليه، ووعد وأوعد وألطف بما لا يحصى فلم يبق للمكلف عذر وصار حاله في رجحان اختياره للطاعة مع تمكنه من المعصية كحال المترجي منه في اختياره لما ترجى منه مع تمكنه من خلافه وصارت إرادته تعالى لاتقائه بمنزلة الترجي، ولما كان ما ذكره المصنف أقرب إلى الحقيقة وهو مجاز ما فيه من الابتناء على الاعتزال رجح الأوّل واخاره ولم يلتفت لما أوردوه عليه وأسقط منو قوله وضع في أيديهم زمام الاختيار وأراد منهم الخير لأنه نزغة اعزالية فإذا سلم الكلام منها لم يبق به بأس ولذا قال ابن عطية لما اختار تعلقه بخلقكم لقربه أنه لما ولد كل مولود على الفطرة. كان بحيث إن