تأمّله متأمّل توقع منه رجاء أن يكون متقيا، وليس هذا ما في الكشاف بعينه كما توهم بل هو وجه آخر أبقى فيه لعل على حقيقته من الترجي إلا أن الترجي ليس من المتكلم ولا من المخاطب بل من غيرهما كما في قوله تعالى:{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ}[سورة هود، الآية: ٢ ا] ومن نزل عليه كلام المصنف وقال المعنى إنه خلقكم ومن قبلكم والحال أنّ من شأنكم وشأنهم أن يرجو منكم ومنهم التقوى كل من يتأتى منه الر%ظء والتوقع وهذا لا يستلزم تشبيهه تعالى بالمترجي ولا تعيين الراجي خبط وخلط، والذي عليه أرباب الحواشي أنّ هذا بعينه ما في الكشاف والمعطوف عليه قوله والذين من قبلكم. قوله:(في صورة من يرجى منه الخ) هذا صريح في الاستعارة فلا وجه لمن جعله حقيقة والدواعي جمع داعية أو داع لأنه لما لا يعقل والإنسان إذا
اعتقد أنّ له في الفعل أو الترك مصلحة راجحة حصل في قلبه ميل جازم إليه فهذا الاعتقاد سواء نشأ عن علم أو ظن هو المسمى بالداعية مجازا من قولهم دعاه أي طلبه فكأنّ علمه بالمصلحة طلب منه الفعل وقد يسمى الداعي بالغرض! ، ومجموع القدرة، والداعية يسمى علة تامّة كما ذكره الأصوليون وفسرت هنا بالزواجر والمرغبات وعلى هذا الوجه الترجي مستعار للإرادة، كما صرّح به السيد وغيره وهو مع ظهوره قيل عليةلم! أن في شرح المقاصد أن الإرادة عند محققي المعتزلة العلم بما في الفعل من المصلحة ولا شك أنه لا شك في أنه لا مشابهة بين العلم والترجي أصلاً فلا يظهر اعتباره في الآية ويمكن أن يقال إنه نقل في شرح المقاصد أيضا عن الكعبيّ من المعتزلة أنّ إرادة فعل الغير الأمر به فيندفع الإشكال إذ المراد بالأمر الظلب بقي أنّ المشابهة بين الرجاء والإرادة بمعنى الطلب أو الصفة المرجحة المخصصة للفعل ظاهرة بلا حاجة إلى اعتبار المترجي منه والمراد منه على أنّ المتبادر من تقديره قدس سرّه أنّ المعتبر في الترجي رجحان جانب الفعل بحسب الوقوع في نفس الأمر وليس كذلك إذ يكفي ترجيحه في نظر الزواجر وهذا كله من ضيق العطن وتكثير السواد بما لا يليق بمثله فإنّ العلم ليس مطلقا بل علم مصلحة الفعل ولا خفاء في مشابهتة للترجي في جانب الوقوع فيهما وما بعده على طرف الثمام. قوله: (وغلب المخاطبين على الفائببن الخ (هذا جواب عن سؤال هو أنه كما خلق المخاطبين لعلهم يتقون خلق من قبلهم لدّلك فلم قصر عليهم دون من قبلهم، فأجيب بأنه لم يقصر عليهم ولكن غلب المخاطبين على الغائبين في اللفملى والمعنى على إرادتهم جميعاً ولو لم يغلب قيل لعلكم واياهم، وهذا محصل ما في الكشاف إلا أنه قيل على المصنف أنه عمم أوّلاً في قوله الذين من قبلكم لغير العقلاء ثم اعتبر هنا تغليب المخاطبين على من قبلهم العامّ فيلزمه أن يكون ما سوى الإنسان من الجماد والحيوان الداخل فيمن قبلهم مطلوبا منه التقوى وإنما لزمه هذا من جمعه بين كلام الراغب والزمخشري، فإنّ الزمخشري اعتبر التغليب لكنه لم يعمم الذين من قبلهم لغير العقلاء والرإغب عكس فلما جمع بين كلاميهما لزم منه ما لزم، وأجيب بأنّ قوله لعلكم تتقون إذا كان حالاً من ضمير اعبدوا تناول الذين من قبلكم العقلاء وغيرهم وهو الذي اختاره الراغب واقتصر عليه وإذا كان حالاً من مفعول خلقكم والمعطوف عليه كان المراد بقوله الذين من قبلقم الأمم السالفة وهو الذي اختاره في الكشاف والتغليب مختص بهذا الوجه فكأنه قال أو عن مفعول خلقكم والمعطوف عليه لا على غعنى جعله متناولاً لغير ذي العقول بل على أنه خلقكم ومن قبلكم من الأمم السالفة وغلب المخاطبين من الأمم على الغائبين منهم فلا إشكال فيه. وأمّا جعل هذا التفاتاً لمن ذكر بطريق الغيبة من غير حاجة إلى التغليب فقيل إنه لم يلتفت إليه لأنه لا يجوز صرف الخطاب عن جماعة إلى جماعة أشمل من الأولى في كلام واحد ولا يخفى عليك أنه لا بد من التغليب في قوله الذين من قبلكم أيضاً لأنّ الذين ونحوه من صيغ جمع المذكر السالم مخصوص بالعقلاء فإطلاقه على غيرهم إنما يكون
بطريق التغليب وحينئذ فلا مانع من أن ينسب إلى الجميع ما ينسب إلى بعضهم من ترجي التقوى ويتبنى هذا على التغليب والاختلاط السابق كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلاً والقاتل واحد منهم ففي الكلام حينئذ تغليبان أحدهما: في اللفظ والآخر: في النسبة فإنّ التغليب كما يكون في طرفي