للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهي شنشنة من أخزم، نعم كلام كثير من أهل العربية يدلّ على أنه معنى حقيقيّ لها ولكل وجهة يرضاها وليكن هذا على ذكر منك ينفعك فيما سيأتي. قوله: (كما قال سبحانه وتعالى وما خلقت الخ) إشارة إلى جواب سؤال تقديره كيف يصح جعلها بمعنى كي وأفعاله تعالى على المشهور لا قعلل بالأغراض عند الأشاعرة خلافا للمعتزلة فلا يقال فعل كذا لكذا بل لحكمة لأنّ الأصح خلافه حتى قال صدر الشريعة رحمه الله أفعاله تعالى معللة بمصالح العباد عندنا مع أنه لا يجب عليه الأصلح وما أبعد عن الحق من قال إنها غير معللة بها فإنّ بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لاهتداء الخلق واظهار المعجزات فمن أنكر تعليل بعض الأفعال لا سيما الأحكام الشرعية كالحدود فقد أنكر النبوّة ولذا كان القياس حجة وأمّا الوقوف على ذلك في كل محل فلا يلزم، والحق أنّ الخلاف في هذه المسألة لفظيّ فان فسرت العلة والغرض بما يتوقف عليه ويستكمل به الفاعل امتنع ذلك في حقه تعالى وان فسرت بالحكمة والثمرة المترتبة على الفعل فلا شبهة في وقوعها كما قيل:

من عرف الله أزال التهمه وقال كل فعله لحكمه

ولما لم يصح عند الأشاعرة استعارة لعل للإرادة لاستلزامها وقوع المراد جعلوها مجازا

عن الطلب الأعمّ وحيث فسرت بالإرادة فيتجوّز عن الطلب وأمّا التعليل فقد عرفته آنفاً. قوله؟

(وهو ضعيف الخ) استشكل بأنه مناف لتفسيرهم به في آيات كثيرة ولتصريح النحاة به واستشهادهم عليه بكلام فصحاء العرب كقوله:

فقلتهم لنا كفوا الحروب لعلنا نك! ووثقتم لناكل موثق

فإنّ قوله وثقتم الخ يقتضي عدم التردّد في الوقوع كما في الترجي وبهذا يتعين أنها بمعنى

كي ووجه بأنه استعارة للطلب فإمّا أن يجعل مفعولاً له أي خلقكم لطلب التقوى والتعليل مستفاد من ربطها بما قبلها أو حالاً أي خلقهم طالبا منهم التقوى ولا يخفى ما فيه من التعسف وأنت إذا عرفت ما قرّرناه استغنيت عن مثل هذه التكلفات. قوله: (والآية تدلّ على أنّ الطريق إلى معرفة الله تعالى الخ) هذه الدلالة ليست بطريق البرهان العقليّ وإنما هي بطريق الإشارة من عرض الكلام وفحوى المعنى ووجهه بعد العلم بأنّ المراد بمعرفة الله التصديق بوجوده متصفا بصفاته اللائقة بجلال ذاته، ووحدانيته بفتح الواو تفرّده ة ي جميع شؤونه بحيث لا يصح عليه التجزي ولا التكثير ولا يشاركه شيء أصلاً وأصله الوحدية فزيد فيه ألف ونون على خلاف القياس للمبالغة كما قيل في نفسانيّ وروحانيّ وهو وان شاع لم يذكره أهل اللغة بخصوصه، والعلم معطوف على المعرفة والفرق بينهما مشهور، والصنع إجادة الفعل فهو أخص منه، والاستدلال إقامة الدليل بأنه لما أمر وجوبا بعبادته توقف ذلك على معرفته فيجب أيضاً لوجوب ما لا يتمّ الواجب إلا به واستحقاقه العبادة عامّة مأخوذ من هذا الأمر لأنه لو لم يستحق لم يجب أو من عنوان الربوبية لأنّ المالك الانقياد والخضوع له والنظر في مصنوعاته من الأنفس والآفاق يدلّ على ذلك لأنها محدثات مبتدعة في غاية الإتقان فلا بدّ لها من موجد واجب الوجود لئلا يتسلسل ويلزم المحال كما تقرّر في- الأصول، وعقة الاحتياج الإمكان أو الحدوث أو هما كما هو مشهور، والمصنوعات دلّ عليها قوله تعالى {الَّذِي خَلَقَكُمْ} إلى قوله {رِزْقاً} ، ووجه الترتيب أن أقرب الأشياء إلى الناظر نفسه وأحواله الدال عليها قوله خلقكم فلذا قدم ثم اتبع بالأصول وما يليه، وتعين النظر طريقاً إلى المعرفة يفهم من التوصيف المقصود منه تعيين الرب بمصنوعاته المأمور بعبادته فكأنه قيل إن لم تعرفوا المستحق للعبادة الواجبة فهو من اتصف بما ذكر، ولا شك أنه إشارة إلى طريق النظر والفكر وأمّا كونه طريقا للتوحيد فقيل لأنّ السياق له وما ذكر طريق لمعرفته، وأمّا الاستحقاق فمن تعليق الحكم بالوصف المشتق المشعر بالعلية التي لا تعرف إلا بالنظر في الصنع وبما ذكرناه علم أنه لا يرد على المصنف رحمه الله ما قيل من أنّ ما ذكره ظاهر لو كانت العبادة بمعنى المعرفة كما فسر به قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، الآية: ٥٦] أو كانت

<<  <  ج: ص:  >  >>