شاملة لها وإلا ففيه خفاء لما عرفته من وجه التفسير بها. قوله:(وأن العبد لا يستحق الخ الأنه
تفضل بخلقه وإيجاده وتربيته واعطائه ما به قوامه فلو فكر في كل عضو عضو وما ركب فيه من القوى والحواس لوجده أنعم عليه قبل عبادته بما لا يحصى مما لا تفي الطاقة البشرية بشكره ولا تقاوم عبادته بعضاً منه فكيف يستحق بها شيئا آخر كما لا يخفى وهذا مستفاد من تعليق الأمر بالرب الموصوف بما ذكر وبهذا ظهر موقع لعل هنا لمن تدبر. واعلم أنه سأل في الكشاف لم يقل في النظم تعبدون لأجل اعبدوا أو اتقوا لمكان تتقون ليتجاوب طرفا النظم أي ليتناسب أوّل الكلام وآخره إذ معناه حينئذ اشتغلوا بالأمر الذي خلقتكم لأجله مع اشتماله على صنعة بديعة من ردّ العجز على الصدور وما في النظم يوهم أنّ المعنى اشتغلوا بما جلقتم لغيره وهو متنافر وأجاب بأنّ التقوى ليست غير العبادة حتى يؤدّي إلى تنافر النظم وإنما التقوى قصارى أمر العابد فإذا قال اعبدوا ربكم الذي خلقكم للاستيلاء على أقصى غايات العبادة كان أبعث على العبادة وأشد إلزاما ونحوه أن تقول لعبدك احمل خريطة الكتب فما ملكتك إلا لجرّ الأثقال، ولو قلت لحمل الخرائط لم يقع ذلك الموقع، وقال أبو حيان رحمه الله إنه ليس بشيء لأنه لا يمكن هنا تجاوب طرفي النظم على تقدير اعبدوا لعلكم تعبدون أو اتقوا لعلكم تتقون لما فيه من الغثاثة والفساد لأنه كقولك اضرب زيدا لعلك تضربه وتلقاه بعضهم بالقبول حتى قيل: إنّ المصنف إنما تركه لهذا أو لخفائه، مع أنه مبنيّ على أنّ لعل للتجليل فإنه إنما يحسن على ذلك التقدير، وهو مخالف لما قدمه من أنها ليست بهذا المعنى وما في شروحه من تقرير الجواب على وجه يدفع الغثاثة المذكورة كما قال قدس سرّه حاصل الجواب أنّ الملاءمة حاصلة بحسب المعنى مع مبالغة تامّة في إلزام العبادة كما صوّرها في المثال فإنّ الأخذ بالأشق الأصعب يسه!! الشاق الصعب ويعين على تحصيله وهو محل بحث فليتدبر. قوله:) صفة ثانية) هذا الموصول محتمل للرفع والنصف من أوجه، فالنصب إمّا على القطع بتقدير أعني أو على أنه نعت ربكم أو بدل منه أو مفعول تتقون، ورجحه أبو البقاء أو نعت الأوّل لكهم قالوا: إنّ النعت لا ينعت عند بعضهم فإن جاء ما يوهمه جعل نعتا ثانيا إلا أن يمنع منه مانع فيكون نعتا للثاني نحو يا أيها الفارس ذو الجمة فذو الجمة نعت للفارس لا لأيّ لأنها لا تنعت إلا بما تقدم ذكره وقد يعتذر بأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل مع أنّ نعت نعت أفي لغلبة الجمود فيه لا يقاس عليه والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبر. جملة فلا تجعلوا وأورد عليه أنّ صلته ماضية فلا تشبه الشرط حتى تزاد الفاء في خبره وأنه لا راد علة فيه وأنّ الإنشاء لا يكون خبرا في الأكثر وأجيمب بأنّ الؤاء قد تدخل في خبر الموصولة بالماضي كقوله:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق}[سورة البروج، الآية: ٠ ا] كما ذكره الرضي وأنّ الاسم الظاهر وهو الله هنا يقوم مقام الضمير عند الأخفش وأنّ الإنشاء يقع خبرا بالتأويل المشهور وكل مصحح لا مرجح ولذا أخره المصنف
وما قيل إنه مبتدأ خبره رزقا لكم بتقدير يرزق أو يرزقكم تكلف بارد. قوله:) وجعل من الأفعال العامّة الخ) قال الراغب جعل لفظ عامّ في الأفعال كلها لأنه أعمّ من فعل وصنع وسائر أخواتها ولها خمسة أوجه فتكون بمعنى طفق فلا تتعدى وبمعنى أوجد فتتعدى لواحد ولإيجاد شيء عن شيء وتكوينه عنه وتصيير شيء على حالة دون حالة وللحكم بشيء على شيء حقاً أو باطلا، وقال السيرافي أنها تكون بمعنيين صنع وعمل فتتعدى لواحد وصير فتتعدى لاثنين لا يجوز الاقتصار على أحدهما وهذه كصير على ثلاثة أوجه الأوّل بمعنى سمي نحو:{جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا إنلأناً}[سورة الزخرف، الآية: ١٩] كما تقول! صير زيداً فاسقا أي بالقول الثاني على معنى الظن والتخيل نحو اجعل الأمير عاميا وكلمه أي صيره في نفسك كذا. الثالث أن تكون بمعنى النقل نحو جعلت الطين خزفاً أي نقلته من حالة إلى أخرى وقد لا يكون مدخول صار جملة نحو صار زيد إلى عمرو اأتهى. وطفق يطفق كجلس وضرب ويقال طبق بالباء من أفعال المقاربة النواسخ تدخل على المبتدأ والخبر فترتفع وتنصب ومعناها الشروع في الفعل والتلبس بأوائله ومنصوبها لفظا أو محلا خبرها فلذا قال المصنف رحمه الله تبعا للراغب