للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلا يتعدى. وهي في الآية بمعنى صير كما سيشير إليه المصنف رحمه الله، وقيل تحتمل معنى أوجد أيضاً أي أوجد الأرض حالة كونها مبسوطة مفترشة لكم فلا تحتاجون لبسطها والسعي في جعلها مفترشة. قوله: (وقد جعلت قلوص بني سهيل الخ) هذا من شعر في الحماسة ومنه: ولست بنازل إلا ألمت برحلي أوخيالتها الكذوب

وقدجعلت قلوص بني سهيل من اكواومرتعهاقريب

كان لها برحل القوم مثوى رما إن طيها إلا اللغوب

واستشهد به المصنف رحمه الله تبعا للنحاة في أنّ جعل بمعنى طفق من أفعال المقاربة فترفع

الاسم وتنصب الخبر واسمها هنا قلوص المرفوع، إلا أنّ خبرها وقع جملة اسمية منصوبة محلاً وهو معنى قوله فلا يتعدّى كما سمعته آنفا، وهكذا ذكره في المغني في باب اللام وفي التسهيل والأصل في خبرها أن يكون مضارعا لكنه جاء شذوذاً على خلافه كما هنا وليس بمتفق عليه رواية ودراية فذهب إلتبريزي في شرح الحماسة إلى أنّ جعل بمعنى طفق لا يتعدى هنا حقيقة، وقوله مرتعها قريب في موضمع الحال أي أقبلت قلوص هذين الرجلين قريبة المرتع من رحالهم لما بها من الإعياء فجعلها لازمة فقول المصنف فلا يتعدى يجوز إبقاؤه على ظاهره كما ذهب إليه بعض أرباب الحواشي وعلى هذا يجوز إرجاع قوله فلا يتعدى إلى صار أيضاً لأنها تكون لازمة لكن المصرح به في كتب العربية خلافه، ورواه ابني سهيل بتثنية ابن وسهيل اسم وعلى الأوّل! هو اسم قبيلة وقال أبو العلاء: رفع قلوص رديء لأنّ جعل إذا كانت للمقاربة يكون خبرها فعلا فالأحسن نصب قلوص ويكون في جعلت ضمير يعود على المذكور وجعلت ليست للمقاربة بل بمعنى

صيرت فلا تفتقر إلى فعل ومرتعها قريب جملة في موضع المفعول الثاني وذكر مسألة الشلويين ويؤيده أنه روي بنصب قلوص والقلو عالفتية من الإبل أوّل ما تركب وا! وار جمع كور بالضم والراء المهملة قبلها واو ساكنة الرحل بأدأته كما قاله المرزوقي وغيره فمن قال إنه بالفتح بمعنى جماعة كثيرة من الإبل لم يصب رواية ودراية، ومرتعها مرعاها وقربه لإعيائها لا لكثرة الخصب كما توهم لأنّ الأوّل هو المروي ويعينه قوله اللغوب في البيت الذي يليه، فقد عرفت أنّ قلوص في البيت يرفع وينصب وأنه يصح أن يقال بني وابني كما في شرح شواهد المغني وغيره، وقوله بمعنى صار معنى مستقل غير معنى طفق فمن قال ضم صار إلى طفق مع أنّ صار ليس من أفعال المقاربة إشارة إلى ما ذكره بعض المحققين من أن طفق ونحوها ليس من أفعال المقاربة الموضوعة لدنو الخبر بل موضوعة لشروع فاعله في معنى الخبر فقد خلط وخبط خبط عشواء، واعلم أنّ قول المصنف أو مبتدأ مما سبقه إليه بعض المعربين فذكره المصنف رحمه الله تكميلا للوجوه ولا ينافيه أن يكون فيه ضعف من جهة ما ولا وجه للتشنيع عليه تبعاً لبعض أرباب الحواشي، بقوله إنه أخطأ حيث توهم أن قوله في الكشاف رفع على الابتداء معناه أنه مبتدأ أو مرإده أنه خبر، وإنما عبر به لأن العامل في الخبر عنده الابتداء وأورد عليه أنّ الفاء في الخبر تدل على السببية والصفات المذكورة ليست مقتضية لنفي الإشراك وأطال بغير طائل مما تركه خير منه لكنا نبهناك عليه لئلا يظن بعض العقول القاصرة في سرابه ماء فتدبر. قوله: (وبمعنى صير فيتعدّى الخ (التصيير هو انتقال الشيء من حال إلى حال وخلع المادّة صورة ولبس أخرى وهذا هو الذي يكون بالفعل نحو صيرت الحديد سيفا والسبيكة سواراً وقد يكون بالقول كالتسمية في جعلوا الملائكة إناثا وقد يكون بالعقد أي بتصميم الحكم نحو جاعلوه من المرسلين وجمع المصنف رحمه الله بين القول والعقد لتقاربهما وتلازمهما غالبا وعدم التأثر الحسيّ فيهما ومنه الانتقال إلى حال شرفي كتأثير إحياء الموات في انتقاله إلى الملك وتأثير عقد النكاح، وقيل المراد بالعقد الاعتقاد فإن من يعتقد في شيء أمراً انتقل إليه في اعتقاده، وقيل المراد بالعقد العقد الشرعي المحتوي على الإيجاب والقبول وليس بشيء، وكون قوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} مما تعدى لمفعولين هو الظاهر وقد جوّز أنّ الجعل فيها بمعنى الإيجاد متعد لواحد وفراشاً حال كما مرّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>