للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بنفوس الأسباب أعيانها وذواتها، ومدرجا بكسر الراء حال من ضمير له أو من إنشائها وكونه مفعولاً ثانياً للإنشاء بتضمينه معنى الجعل والتصميير تكلف ما لا حاجة إليه وقوله من اجتماعهما الضمير للقوّتين أو للماء والتراب، والصنائع جمع صناعة أو صنيعة بمعنى نعمة، والسكون بمعنى الاستئناس والاطمئنان وعظيم قدرته وقع في نسخة بدله عظم قدرته بصيغة المصدر مثل كبر لفظ! اً ومعنى، والعبر جمع عبرة كسدرة وسدر الاعتبار والاتعاظ، وقوله وهو سبحانه وتعالى قادر الخ تطبيق لما قالوه على قانون الشرع فإنّ الحكماء لا ينكر " - ن أنه قادر على خلقها ابتداء من غير أسباب ومواد كما ابتدأ خلق الأسباب والمواذ وأبرزها من بطون العدم إلى ظهور الوجود لكن جرت حكمته بعقد الأمور بأسبابها الأقرب إلى العقول لأنه إدل على قوّة قدرته ووفور حكمته لما فيه من خلق الأسباب مستعدة لما أفاضه عليها من التأثير وأدل على عظمته من خلقها دفعة بغير أسباب، وفي رسائل إخوان الصفاء في النبات حكم وصنائع ظاهرة جليلة لا تخفى ولكن صنائعها مختفية محتجبة وهي التي تسميها الفلاسفة القوى الطبيعية ويسميها أهل الشرع ملائكة وجنود الله الموكلين بتربية النبات والمعنى واحد وإنما نسبت هذه المصنوعات إلى القوى والملائكة دون الله لأنه جلت عظمته عن مباشرة الأجسام والحركات الجزئية كما تجل الملوك والرؤساء عن مباشرة الأفعال وان كانت منسوبة إليهم لأنها بأمرهم وارادتهم كما قال تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [سورة الأنفال، الآية: ١٧] ومن لم يفهم سره قال إنشاؤها دفعة أدلّ على القدرة وأغرب منه قوله أنّ المصنف إن أراد بالقوّة الفاعلة المؤثر الحقيقيّ كان خلاف مذهب أهل السنة والا لم يصح قوله يتولد الخ وقصر السببية على الماء والتراب لأنّ بهما القوام وهما أعظم الأجزاء المادية، ولذا قال خلقه من تراب ومن الماء كل شيء حيّ فسقط ما قيل من أنّ في هذا الاقتصار قصورا، لأنها من العناصر الأربعة. قوله: (ومن الأولى للايتداء الخ) السماء من

السموّ فلذا قالوا: إنّ أصل معناها لغة كل ما علا سواء كان فلكاً أو سحاباً أو نفقا، وحقيقته في العرف يختص بالفلك فإن كان بهذا المعنى فهو ظاهر لأنه المتبادر منه على ما يقتضيه ظواهر الآيات والأحاديث لقوله تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [سورة الزمر، الآية: ٢١] وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: ١٩] وأمثاله وورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: " المطر ماء يخرج من تحت العرش فينزل من سماء إلى سماء حتى يجتمع في السماء الدنيا في موضع يقال له الأبزم فتجيء السحاب السود فتدخله فتشربه مثل شرب الإسفنجة فيسوقها الله حيث ماء " وهكذا ورد في، أحاديث كثيرة، وتأويلها بعيد من غير حاجة إليه ومن ذصب إلى خلافه أوّل الآيات بأنّ المراد أنها تنزل من السحاب، وهو يسمي سماء لعلوه أو أنه ينشأ من أسباب سماوية وتأثيرات أثيرية فهو مبدأ مجازي له واليه أشار المصنف رحمه الله وتفصيله كما في كتب الحكمة الطبيعية أنّ الشمس إذا سامتت بعض البحار والبراري أثارت من البحار بخارا رطبا ومن البراري بخاراً يابسا والبخار أجزاء هوائية يمازجها أجزاء صغار مائية لطفت بالحرارة حتى لا تتمايز في الحس لغاية صغرها فإذا صعد البخار إلى طبقة الهواء الثالثة تكاثف فإن لم يكن البرد قويا اجتمع ذلك البخار وتقاطر لثقله بالتكاثف فالمجتمع هو السحاب والمتقاطر المطر، وان كان قويا كان ثلجاً وبرداً وقد لا ينعقد سحاباً ويسمى ضبابا، وتثير مضارع أثار التراب والغبار إذا حركه حتى يرتفع، وقوله من أعماق الأرض جمع عمق والمراد به داخلها والمراد بالأرض جهة السفل فيشمل البحار والأنهار لما عرفته مما قرّرناه لك فسقط ما قيل من أنه لا حاجة لهذا، لأنّ الأكثر ارتفاعها من البحار والأنهار والجوهر ما بين الأرض والسماء لا الهواء نفسه حتى يكون من إضافة الشيء إلى نفسه فيحتاج إلى التأويل وان كان هو أحد معانيه. قوله: (من الثانية للتبعيض) بخلاف الأولى وان جوّز فيها على أنّ التقدير أنزل من مياه السماء لما فيه من التكلف وأقرب منه ما قيل إنها للسببية كقوله تعالى: {مَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [سورة نوح، الآية: ٢٥] وقوله بدليل قوله سبحانه وتعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ} [سورة فاطر، الآية: ٢٧] استشهاد بنظائره فإنّ التنكير في هذه الآية وتنوينه يدلّ على البعضية في، دره منها لا سيما مع جموع القلة وقوله واكتناف المنكرين له أي

<<  <  ج: ص:  >  >>