الغافل ناسب ذكر الغفلة معه فكان مقتضى حالهم إن الله العالم بالخفيات والسرائر غافل عما يعملون وهذا لا ينافي قوله: فيما سبق لا ينفعكم التحريف والاستسرار أي الإخفاء لأنّ المراد منه إخفاء الحق لعلمهم بخلافه لا الكفر فلا يرد عليه كما لا يرد أن علم الله لا يقتضي الجهر كما قيل. قوله:(نزلت في نفر من الأوس والخزرج الخ) الأوممى! والخزرج جدا الأنصار وكانا أخوين كما سيأتي، وشاس بمعجمة في أوّله ومهملة في آخره علم ويوم بعاث حرب كان بينهم وبعاث بضم الباء الموحدة وفتح العين المهملة وألف وثاء مثلثة يصرف، ولا يصرف اسم حصن أو بستان كما سيأتي وقعت الحرب عنده ورواه أبو
عبيد بغاث بافين المعجمة، وقال ابن الأثير: أعجمها الخليل أيضا لكن جزم أبو موسى في ذيل الغريب وتجعه صاحب النهاية بأنه تصحيف وإنما البغاث ضعاف الطير كما في المثل، إنّ البغاث بأرضحنا يستنسر وخبر. كما في كامل ابن الأثير أنّ قريظة والنضير جددوا العهود مع الأوس على ا! وازرة والتناصر واستحكم أمرهم فلما سمعت بذلك الخزرج جمعت واحتشدت وارسلت لحلفمائها من أشجع وجهينة وأرسلت الأوس لحلفائها من مزينة والتقوا ببعاث هي من اموال بني قريظة وعلى الأوس حضير والد أسيد الصحابيّ رضي الله عنه وعلى الخزرج عمرو ابن النعمان! االتقوا اقتتلوا قتالاً شديدا وصبروا جميعا، ثم إنّ الأوس وجدت مس السلاح فولوا منهزميز فلما رأى حضير ذلك نزل وطعن قدمه وصاح واعقراه والله لا أعود حتى أقتل فإن شئتم يا ص! ضر الأوس أن تسلموني فافعلوا فعطفوا عليه، وأصاب عمرو بن النعمان البياضي رنيس الخزرج سهم فقتله وانهزمت الخزرج فوضمعت فيهم الأوس السلاح فصاح صائح يا معشر الأوس أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب فانتهوا عنهم، وكان يوم بعاث آخر الحروب المشهورة بين الأوس والخزرج في الجاهلية، ثم جاء الإسلام واتفقت الكلمة واجتمس اعلى نصر الإسلام وأهله، وقيل: في ذلك أشدا! وهي التي أشار إليها بقوله:) وينشدهم الخ) وقوله: (السلاح السلاح) بالنصب على الإغراء أي خذوا السلاح. قوله:) أتدعون الجاصلية) كذا في الكشاف وهو بالتخفيف لا بالتشديد من الدعوى كما توهم أي لدعون دعوى الجاهلية وهي قولهم يا لكذا يا لثارات كذا وليس هذا اللفظ تحريفا كما قيل إنّ الواتع في الحط يث: " أتديمون الجاهلية " فحرّفه الزمخشريّ وتبعه المصنف فهو إمّا رواية أخرى أو نقل بالمعنى ومثله سهل، وقوله: خاطبهم الله بنفسه فلا حاجة إلى أن يقال المخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم بوفدير قل لهم. قوله:(إنكار ونعجيب لكفرهم الخ) تقدّم الكلام في مثله من الجمع بين الانكار والتعجيب ومعنى الإنكار هنا أنه كيف يقع أو المراد بكفرهم فعل أفعال
الكفرة كدعوى الجاهلية والأوّل أولى وهو تأييس لليهود مما راموه، وحال منوّنة وجملة اجتمع صفة والعائد مقرّر. قوله:) ومن يتمسك بدينه أو يلتجئ إليه في مجامع أموره (أي إئا أن يقدر مضاف ويعتصم بمعنى يتمسك استعارة تبعية كما سيأتي أو لا يقدر، ويجعل الاعتصام بالله استعارة للالتجاء إليه قيل وعلى الأوّل ومن يعتصم الخ معطوف على وأنتم تتلى أي كيف تكفرون والحال أن القرآن يتلى عليكم وأنتم عالمون بأن المتمسك بدين الله على هدى لا يضل متبعه، وعلى الثاني تذييل لقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا} الآية لأن مضمونه إنكم إن تطيعوهم لخوف شرورهم ومكايدهم فلا تخافوهم والتجؤوا إلى الله في دفع ذلك لأن من التجأ إليه كفاه فعلى الأوّل ومن يعتصم لإنكار الكفر مع هذا الصارف القويّ وعلى الثاني للحث على الالتجاء، ويحتمل على الأوّل التذييل وعلى الثاني الحال أيضا وفيه أنّ هذا التعيين لا داعي إليه ولا قرينة عليه. قوله: (فقد اهتدى لا محالة) أي فقد تحقق له حصول الهدي وهذا مستفاد من جعل الجزاء فعلاً ماضيا مع قد فإنه لا ينقلب إلى المستقبل مثل أن تكرمني فقد كرمتك. قوله:(حق تقواه وما يجب منها) يعني أن التقاة بمعنى التقوى وحق من حق بمعنى وجب وثبت ومنها بيان لما، واستفراغ الوسع بمعنى بدل الطاقة والمقدر واستعارة من استفرغت الماء والبئر نزحتهما فإذا كان حق التقاة هذا المعنى فهو بمعنى الاستطاعة فلا تكون تلك الآية ناسخة لها، وقال الزجاج رحمه الله هذه الآية منسوخة بقوله: