للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نسب إلى الحسين بن فضل، واحتج بآيات منها قوله تعالى {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ١٦٥] وهو منقول عن أهل البيت أيضاً، ونقله الراغب عن جعفر الصادق،: عبارته عبارة المصنف بعينها، والمراد أنه في الأصل والحقيقة كل ما سوى الله من الجواهر والأعراض، وقصد به هنا الناس خاصة لتنزيله منزلة جميع الموجودات لأنه فذلكة جميع الموجودات ونسخة كل الكائنات المنقولة من اللوح الرباني بالقلم كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله من حيث إلخ واياه عنى القائل:

وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر

وهو منزع صوفيّ، فمن قال في شرحه: إنّ تخصيصه بهم لأنّ المقصود بالذات من التكليف بالأحكام من الحلال والحرام وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وانزال الكتب هو الإنسان قال الله تعالى {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ا] لم يقف على مراده، ولم يحم حول مرامه، وعلى هذا هو شائع في أفي اد البشر مشترك بينها اشتراكا معنويا فكل فرد منه بمنزلة جنس من تلك الأجناس، ومرّضه المصنف رحمه الله لمخالفته لأصله من غير مقتض، ولا دليل يدل عليه إذ المناسب للمقام التعميم، فلا يرد عليه أنه قد يختص بهؤلاء كما في قوله تعالى {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الجاثية: ١١٦. قوله: (من حيث أنه يشتمل إلخ) قيد الحيثية في كلام المصنفين يستعمل على وجوه هي الإطلاق كمايقال إنّ الإنسان من حيث هو إنسان مدرك للكليات والجزئيات، والتقييد كما يقال دلالة التضمن دلالة اللفظ على جزء معناه من حيث هو جزؤه، والتعليل كما يقال الأفيون من حيث إخراجه للحرارة الغريزية يسخن ظاهر البدن وهذا هو المقصود هنا، ويشتمل افتعال من الشمول وهو الإحاطة والفرق بين الاشتمال، والشمول أنّ الشمول يوصف به المفهوم الكليّ بالنسبة إلى جزئياته، والاشتمال يوصف به الكل بالنسبة لأجزائه وهذا أغلبيّ، فلا يرد عليه ما يخالفه، والمراد بالعالم الكبير عالم الملك وهو السماء، وما تحويه بأسره، واشتماله كما في حاشية متقولة عنه لأنّ ما في ذلك العالم من شيء إلا وفي الإنسان نظيره مما يحكيه، ويفيد ما يفيده

في الجملة إذ بدن الإنسان بمنزلة العالم السفليّ، وأخلاطه كعناصره، فالسوداء كالأرض والتراب لكونها باردة يابسة، والبلغم كالماء لكونه باردا رطباً، والدم كالهواء حارّ رطب، والصفراء كالنار حار يابس، ورأسه بما فيه من الحواس الظاهرة والباطنة على رأى، كالعالم العلوي لأنه منبت للأعضاء التي هي محل الحس، والحركة كما أنّ العالم العلوي منوط به أمر السفليات على ما قال تعالى {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: ٥] ما مع انفرد به من الكمالات المتنوّعة، والهيئات النافعة، والمناظر البهية، والتراكيب العجيبة المبنية في علم التشريح ونحوه مما لا يحصى، كالتمكن من الأفعال الغريبة، واستنباط الصنائع المختلفة، فسبحان من زوّج الآباء العلوية بالأمّهات السفلية، ونقل نسخ الوجود بقلم قدرته العلية إلى الصحف المكرّمة الإنسانية. قوله: (من الجواهو والأعراض) يجوز أن يكون بيانا للنظائر، ولما أضيف إليه، قيل والأوّل أظهر ليكون قوله يعلم بها متعلقا بما هو أقرب وفي قوله بما أبدعه في العالم إشعار بأنّ المشبه به مبدع بخلاف المشبه لنكتة، وهي أنه لما جعله نظيراً للعالم الكبير كان مسبوقا بالمثل في الجملة، وان كان نوعه باعتبار صورته الخاصة به مبدعا على أحسن تقويم. ومن لم يتنبه له أورد عليه أنّ الإبداع إيجاد الشيء من غير سبق مثال وهذا متحقق بالنسبة إلى العالم الصغير والكبير. قوله: (ولذلك سوّى إلخ) ذلك إشارة إلى الاشتمال على النظائر المعلوم مما قبله، والنظر بمعنى الابصار بالعين، وبمعنى التفكر، والتفات النفس بالبصيرة للمعاني، وهو المراد هنا لتعديه بفي، وهو في الأصل مصدر شامل للقليل والكثير، وحقه أن لا يثنى، ولا يجمع فلذا أفرده، فلا وجه لما قيل من أنّ الظاهر أن يقال بين النظرين لاقتضاء بين التعدّد، فكأنه اكتفى بالتعدد المعنوقي من قوله فيهما ضرورة أن النظر فني أحدهما عين النظر في الآخر انتهى، وضمير فيهما عائد على العالم الكبير والصغير، وهو الإنسان والتسوية واقعة في النظم، أمّا في قوله تعالى {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢٠- ٢١] وهو الظاهر أو في قوله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ} [صورة فصلت: ٥٣] وقوله: (وقال إلخ (معطوف على

<<  <  ج: ص:  >  >>