للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله سوّي عطف تفسيريّ، فتكون التسوية إشارة إلى الآية الأولى أو هو أمر مستقل مغاير لما عطف عليه، فالتسوية بما في الآية الثانية وهي سنيريهم إله. وقوله وفي الأرض إن أريد به ظاهره فتخصيصها من بين دلائل الآفاق لظهورها لمن على ظهورها، وفي قوله {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} من غير تمييز بين الإبصار المتعلق بالأنفس، والمتعلق بما يقابلها إشارة إلى شذة ظهورها إذ سوّى بين المحسوس وغيره حتى، كأنّ الجميع محسوس. قوله: (وقرىء رث العالمين بالنصب إلخ) مثل هذا النصب على ا) قطع، وكونه على المدح مستفاد من المقام إذا قدر أمدح وليس بمتعين فقد يقدر

غيره كاذم وأذكر وأعني ونحوه وفي شرح العمدة لابن مالك أنّ المنعوت إذا كان متعيناً لم يقدر أعني بل أذكر، وهذه قراءة زيد بن عليّ، وهي من الشواذ وضعفت بالاتباع بعد القطع إلا أنه قيل إنّ زيداً قرأ بنصب الرحمن الرحيم أيضاً فلا ضعف فيها، وقال أبو حيان قرىء بالنصب، وهي فصيحة لولا خفض الصمفات بعدها، لأنهم نصوا على أنّ الاتباع بعد القطع في النعوت غير جائز، إلا أن يقال الرحمن بدل لا نعت وهو مبنيّ على وجوب تقديم المتبع، وهو غير متفق عليه فإنّ صاحب البسيط جوّزه، وروى شواهد تدل عليه ونصبه على النداء ظاهر لكته، كما في الدرّ المصون أضعف الوجوه لما فيه من الليس والفصل بين الصفة والموصوف، وفيه أيضاً التفات إلا أنه لا يجري فيه ما سيأتي. قوله: (أو بالفعل الذي دل عليه الحمد) فهو منصوب بفعل مقدر هو أحمد أو نحمد لدلالة الحمد عليه، ليس على التوهم، فقول أبي حيان إنه ضعيف لأنه للتوهم، وهو من خصائص العطف توهم غير صحيح مع أنه لا يختص بالعطف أيضاً كما بين في محله، ونصبه به صادق بأن يكون مفعوله أو صفة مفعوله، فإنّ صاحب الكشاف قدر. نحمد الله رب العالمين لأنّ رث صفة لا بد له من موصوف يجري عليه في الأفصح، ولم يجعل الحمد المذكور عاملاً فيه لقلة أعماله محلى باللام، ولأنه يلزم الفصل بين العامل ومعموله بالخبر، وهو أجنبيّ كما قيل وأورد عليه في بعض الحواشي أنّ الزمخشري ذكر في قوله تعالى {وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: ٢٤٠] في قراءة أبيّ أنّ متاعاً نصب بمتاع، لأنه في معنى التمتع كقولك الحمد لله حمد الشاكرين فقال التفتازانيّ جاز نصب حمد الشاكرين بالحمد، وهو مصدر معرّف أيضا مع الفصل بالخبر لأنه في الأصل معمول للحمد في موضع المفعول كما تقول حمداً له فجاز لذلك، وكذا كل مصدر جعل متعلقه خبراً عنه، ويؤيده أنّ صاحب الكشاف والمصنف قالا في قوله تعالى {أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي} [مريم: ٤٦] إنّ راغب خبر مقدم مع تعلق عن اكهتي به، وفي الكشف جاز هذا بناء على أنّ المبتدأ ليس أجنبيا من كل وجه فالمبتدأ والخبر لاتحادهما معنى كشيء واحد لا يعد الفصل بأحدهما من الفصل بالأجنبيّ، وهو قدس سره عده منه.

وأنا أقول فيما ذكر اختلاف للنحاة، أمّا أعماله معزفاً ففيه أربعة مذاصب إجازته مطلقا وهو مذهب سيبويه، ومنعه مطلقا وهو مذهب الكوفيين، وجوازه على قبح، وهو مذهب الفارسيّ، وبعض البصريين، والتفصيل بين أن يعاقب فيه أل الضمير فيجوز أولاً فيمتنع، وكذا اعماله مع الفصل مطلقا سواء كان بأجنبيّ أو لا فمنعه بعض النحاة وأجازه بعضهم لقوله تعالى {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: ٨] لتعلق يوم برجعه، ومن منعه قدر عاملاً على أنّ منهم من تساهل في الظروف، وقيل الأظهر في توجيه هذه القراءة أنه مفتوح فتحة بناء لأنه ماض يقال ربه يربه إذا ملكه، ولا يخفى بعده وتكلفه فإنّ هذه الجملة لا بد لها من موضع ولا يصح أن يكون هنا صفة، والحالية غير مناسبة معنى مع أنه قرىء بنصب الرحمن الرحيم،

فالمناسب كون ما قبله منصوباً، فما اذعى أظهريتة ليس بظاهر. قوله: (وفيه دليل إلخ) أي في توصيف الله برب العالمين دليل على ما ذكر، ومن حكم بأن المحوج إلى المؤثر هو الإمكان قال: إنّ اتصاف الممكن بالوجود ليس من مقتضى ذاته حدوثا وبقاء، فهو في ابتداء وجوده، واستمراره محتاج إليه، ومن قال بأنّ المحوج له هو الحدوث لزمه استغناؤه عنه حال بقائه، ودفع بأن شرط بقاء الجوهر العرض، وهو متجدد محتاج إلى المؤثر في كل حين، فكان الجوهر محتاجا إليه حال بقائه بواسطة احتياج شرطه، فلا استغناء له أصلاً فرجع إلى المذهب المنصور بلا اختلاف في احتياجه إليه في البقاء

<<  <  ج: ص:  >  >>