وانما الخلاف في أنه بالذات أولاً وهو سهل، وكذلك افتقار. إلى المبقي في كلام المصنف رحمه الله، ووجه الدلالة أنّ التربية تبليغ الأشياء إلى كمالها شيئاً فشيئا إلى انقضائها فيلزم استنادها إليه بقاء وحدوثا، وأيضا العالم ما يعلم به الصانع ولا يكون ذلك إلاً بعد وجوده وهو ظاهر، وكذا الملك لما يلزم من الحفظ والاستناد إلى المالك فسقط ما قيل من أنّ الدلالة فيها كلام، فإنّ التربية والمالكية تجامعان استغناء الممكنات عن المبقى، وان دفعه القائل بأنه يمكن أن يقال إنّ الحفظ معتبر في معنى الرب أو لازم له إذ معناه إدامة وجود الممكنات وإبقاؤها كما ذكره الغزاليّ، وأورد عليه أنّ الحفظ له معنيان كما صرّح به الإمام أحدهما ما ذكر، والآخر صيانة المتعاديات والمتضادّات بعضها عن بعض، ففي كون المعتبر في مفهومه، أو لازمه هو الأوّل نظر إلا أن يراد بالمبقى أعمّ مما يديم الوجود أو يصونه، وما قيل من أنّ بقاء الممكنات من جملة بلوغها إلى الكمال، واحتياجها في بلوغ الكمال إلى المؤثر يدل على احتياجها إليه مطلقاً، فالرب من حيث تبليغها إلى البقاء مبق كما أنه من حيث إخراجها من العدم إلى الوجود مبدع لا محصل له، وقد عرفت ما يغنيك عن أمثاله، فإنّ البقاء ليس إلا وجوداً مأخوذاً بالإضافة إلى الزمان الثاني، والوجود في الزمان الثاني متوقف على ما قبله ومحتاج والمحتاج إلى المحتاج محتاج بديهة، فإنّ اتصافه بالوجود لما لم يكن ذأقياً أوّلاً كان كذلك فيما بعده لاستواء نسبته إلى الوجود في سائر الأزمان وتجدد الوجود له في كل حين هو التربية الإلهية ولا حاجة إلى أن يقال الدليل في كلامه ليس بمعنى البرهان القطعيّ بل ما يقتضيه الفحوى ويشهد به الذوق، والمصنف رحمه الله كثيراً ما يريد به هذا. قوله:(كرّره إلخ) ما سيذكره هو قوله وإجراء إلخ. فان ترتب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، فهذا تعليل لاستحقاقه للحمد وأنه لاتصافه تعالى بهما، كما أنّ ذكرهما في البسملة تعليل للابتداء باسمه والتبرّك به، وهذا بناء على مذهبه من أنّ البسملة من الفاتحة أو جواب عما قيل أنّ البسملة ليست من السورة، والا لزم تكرار الاسمين من غير فائدة وفي التفسير الكبير الحكمة في تكريره أنه في التقدير، كأنه قيل اذكر أني إله رب مرة، واذكر أني رحمن رحيم مرّتين ليعلم أنّ العناية بالرحمة أكثر من سواها، ثم لما بين تضاعف الرحمة قال: لا تغترّ بذلك فإني مالك يوم الدين فهو كقوله {غَافِرِ الذَّنبِ}[غافر: ٣] إلخ وفيه أنّ
الألوهية مكرّرة أيضاً فتدبر. قوله:(قرأه عاصم إلخ (ضمير قرأه راجع إلى مالك بالألف لأنه معلوم من تقدّم ذكره، ويعضده بمعنى يؤيد. ويقوّيه، يقال عضده إذا صار له عضدا أي معينا وناصرا، وأصل العضد في اليد من المرفق إلى الكتف فاشعير للمعنى المذكور ثم شاع حتى صار حقيقة فيه وجعل هذه الآية مؤيدة لهذه القراءة لأنها مأخوذة من الملك بالكسر، وسيأتي الفرق بيته وبين الملك بالضم، فإنّ المراد باليوم فيها يوم القيامة، وهو يوم الدين أيضا، ونفى المالكية عما سواه يقتضي إثباتها له إذ السياق لبيان عظمتة تعالى، ومجرّد نفي المالكية عن غيره لا يقتضيها بشهادة الفحوى والذوق، وتنكير الأسماء الثلاثة للتعميم، وتعميم الأخير لشموله الضرّ والنفع والقليل والكثير، وأورد عليه أنّ قوله {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}[الانفطار: ١٩] ظاهره يعضد قراءة ملك لمناسبته للأمر مناسبة تامّة، وقد فسره في التيسير وغيره بأنّ الحكم حكمه ولا قاضي سواه، وهو صريح في إثبات الملك بالضم له، ولذا قيل إنه يؤيد خلاقه وقيل إنها مقوّية، ومؤيدة لا نص موجب لمدّعاه فيكفي موافقة معناه لأوّلها مع أنّ آخرها موافق له اً يضا فإنّ المراد بالأمر المالكية فلما نفاها أوّلاً عن غيره صرّح بعده بإثباتها على العموم له كما هو المعروف في أمثاله من التذييل، نعم هو على هذا بمنطوقه مؤكد لمفهوم ما قبله، ولو فسر الأمر بالحملك بالضم كما مرّ أو بالأعمّ منه كان تأسيسا متضمناً للتأكيد على وجه أبلغ، ومن هنا ظهر ضعف ما قيل أنه تعالى لما نفى مالكية أحد لشيء على العموم أثبت بعده أنّ جميع الأمور مملوكة له تعالى في ذلك اليوم، فلا يشاركه أحد في مالكية شيء منها، وهو معنى مالك يوم الدين ولا وجه لكونه مشتقا من الملك بالضم، لأنّ المقام يقتضي نفي التصرّف مطلقا لا نفي التصرّف بطريق التكليف فقط، والقرآن يفسر بعضه بعضا، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري هو التاسع من القرّاء العشرة. قوله: (وقرأ الباقون ملك) أورد