من غير توسط المادة، وعلى القول الآخر هو استعارة تشبيهاً للمحى بالروح التي بها الحياة، وحاج بعض النصارى الواقدي بهذه الآية فقال إنها تدل على أن عيسى عليه الصلاة والسلام جزء من الله فعارضه بقوله تعالى:{وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه}[سورة الجاثية، الآية: ١٣] فلو كان كذلك لاقتضى إنّ جميع الموجودات جزء منه فحجه، ومعنى كونه كلمة أنه حصل بكلمة كن من غير مادّة، وقال الغزالي رحمه الله تعالى لكل شيء سبب قريب، وبعيد فالأوّل المني والثاني قول كن، ولما دل الدليل على عدم القريب في حق عيسى صلى الله عليه وسلم إضافة إلى البعيد، وهو كلمة كن إشارة إلى انتفاء القريب، وأوضحه بقوله ألقاها بجعله كالمني الذي يلقى في الرحم فهو استعارة كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله:(أي الآلهة ثلاثة الخ) يعني أن الظاهر أنهم يقولون بآلهة ثلاثة الله، وعيسى عليه الصلاة والسلام ومريم كما صرّح به في الآيات الأخر، وان نقل عنهم القول بالأقانيم فحكاية الله عنهم أوثق لكن قال الطيبي رحمه الله تعالى أن الحكيم الفاضل يحيى بن عيسى صاحب المنهاج في الطب كان نصرانياً فلما أسلم
وحسن إسلامه صنف رسالة في الردّ على النصارى قال فيها زعموا أنه تعالى جوهر واحد ثلاثة أتانيم أقنوم الأب، وأقنوم الابن وأقنوم روح القدس فهو واحد بالجوهر مختلف بالأقانيم، وقال بعضهم أنها أشخاص وذوات وقال بعضهم أنها خواص، وصفات فأقنوم الأب الذات، وأقنوم الابن الكلمة، وهي العلم وأنها لم تزل مولدة من الأب لا على سبيل التناسل بل كتوليد ضياء الشمس، وأقنوم روح القدس هو الحياة، وأنها لم تزل فائضة من الأب والابن، واختلفوا في الاتحاد فقالت اليعقوبية أنها بمعنى الممازجة كممازجة النار للفحم فالجمرة ليست ناراً خالصة، ولا فحمة، وهذا موافق لقولهم أنّ الله نزل من السماء ماء وتجسد من روح القدس، وصار إنساناً، ولذلك قالوا المسيح جوهر من جوهرين، وأقنوم من أقنومين وهذا هو القول باللاهوت، والناسوت، وظاهر قول نسطوراً أنّ الاتحاد على معنى الحلول، وأنّ الكلمة جعلته محلاَ، ولذا قالوا جوهران، وأقنومان إلى غير ذلك، وإذا تقرّر اختلافهم كذلك صح حينثذ أن يراد من قوله، ولا تقولوا ثلاثة، ولا تقولوا هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم، وأن يحمل بقية الآيات على ما قالوه قال، وقولهم ثلاثة أي مستوون في الألوهية كما يقال في العرف عند إلحاق اثنين بواحد في وصف هم ثلاثة أي أنهما شبيهان به، والأقنوم بضم الهمزة بمعنى الأصل، وهي لغة يونانية، وجمعها أقانيم، وقوله: الهين من دون الله أي الهين غير الله فيكونون معه ثلاثة. فلا يقال إنه لا دليل فيها على التثليث المدعي. قوله:(لا تعدد فيه بوجه ما) ذاتا وغيره كالقول بالأقانيم وقوله: (تسبيحاً) إشارة إلى أنه منصوب على المصدر كما مر تحقيقه وقوله: (من أن يكون) إشارة إلى أنّ في الكلام حرف جر مقدر، وهو من أوعن كأنه قيل نزهوه من أن يكون أوعن أن يكون له ولد، وفي محل أن، والفعل حينئذ وجهان النصب، والجر يعني أنّ الولد يشابه الأب، ويكون مثله، والله منزه عن النظير والمثيل، وأيضا الولد إنما يطلب يكون قائما بعده مقامه إذا عدم، ولذا كان التناسل، والله تعالى باق لا يطرق ساحته الفناء فلا يحتاج إلى ولد وقوله:{له ما في السموات} الخ دليل آخر على نفي الولد لأنه مالك لجميع الموجودات، ولو كان له ولد لكان مثله في المالكية فلا يكون مالكا لجميعها، وكذا كفايته في الحفظ لأنّ الوكيل بمعنى الحافظ لأنّ من وكل إليه شيء يحفظه كما مرّ فإذا استقل في ذلك لم يحتج إلى الولد فإنّ الولد يعين أباه في حياته، ويقوم مقامه بعد وفاته، والله تعالى منزه عن كل هذا فلا يتصور له ولد عقلا، ويكون افتراؤه جهلاً وحمقا. قوله:(لن يأنف من نكفت الدمع الخ) الأنفة الترفع والتكبر والاستنكاف استفعال من النكف، وأصله كما قال
الراغب: من نكفت الشيء نحيته وأصله تنحية الدمع عن الخد بالأصبع، وبحر لا ينكف لا ينزح انتهى، ومنه قوله فلم ينكف لعينيك مد مع وقيل النكف قول السوء يقال ما عليه في هذا الأمر نكف، ولا وكف واستفعل فيه للسلب قاله المبرد: وفي الأساس استنكف منه، ونكف امتغ، وانقبض أنفاً وحمية، وقال الزجاج: الاستنكاف تكبر في تركه أنفة، وليس في الاستكبار ذلك. قوله:(من أن يكون الخ) إشارة إلى تقدير الجار لأنه يقال استنكف