ضرورة فيلزم ثبوت أفضليته على المجموع من ثبوت أفضليته على كل واحد منهم قطعاً انتهى فقد علمت الفرق بين هذا، وبين ما مثل به، وكذا ما قيل في الجواب الآخر ونحوه من أنّ هذه الدلالة إنما تكون بعد سبق العلم بالأفضلية كما في حديث السلطان، والوزير دون مجرد النظر في التركيب كما في لا يفعله زبد ولا عمرو، وفي إثبات الأفضلية بهذا شبه دور، ولو سلم نفي أفضلية المجموع دون كل واحد من المقربين لا جنس الملك على جن! البشر المتنازع فيه، ورد بأنّ المدعي أنّ في مثل هذا الكلام مقتضى قواعد المعاني الترقي من الأدنى إلى الأعلى دون العكس أو التسوية، وقد عرفت أن الحكم في الجمع المعرف باللام على الآحاد سيما قبل الحكم بعدم الاستنكاف ومدعاه ليس إلا دلالة الكلام على أنّ الملك المقرب أفضل من عيسى صلى الله عليه وسلم، وهذا كاف في إبطال القول بأنّ خواص البشر أفضل من خواص الملك فالجواب الحق ما سبقت الإشارة إليه في صدر الكلام فاحفظه. قوله:(وهم الكروبيون الخ) في " كتاب الحبائك " قيل: ملائكة الحرمة هم الروحانيون بفتح الراء من الروح، وقيل الروحانيون بالضم والفتح مطلق الملائكة، والكروبيون ملائكة العذاب من الكرب قاله البيهقيّ وغيره وفي الفائق الكروبيون سادة الملائكة منهم جبرائيل، وميكائيل، واسرافيل، وهم المقربون من كرب إذا قرب وهو المراد هنا، وفي تذكرة التاج ابن مكتوم سئل أبو الخطاب بن دحية عن الكروبيين هل يعرف في اللغة أم لا فقال الكروبيون بفتح الكاف، وتخفيف الراء سادة الملائكة، وهم المقربون من كرب إذا قرب، وأنشد أبو عليّ البغدادي:
كروبية منهم ركوع وسجد
وقال الطيبي رحمه الله تعالى: فيه ثلاث مبالغات إحداها أنّ كرب أبلغ من قرب الثانية أنه
على وزن فعول من صيغ المبالغة الثالثة زيادة الياء فيه للمبالغة كأحمريّ، وقوله: باعتبار التكثير دون التكبير الأوّل بالمثلثة، والثاني بالموحدة، ومعناهما ظاهر وقوله، والنزاع فيه المشهور أنّ خواص البشر أفضل من خواص الملك فتأمل. قوله:(والاستكبار الخ) قد مر الفرق بينهما المنقول عن الراغب، ولكون التكبر يكون بالاستحقاق وصف الله عز وجل به. قوله:(فيجازيهم الخ) إشارة إلى أنّ المقصود من الحشر المجازاة، ولذا قال في تفصيله أنه تفصيل
للمجازاة العامة وهذا دفع لما يتوهم من عدم مطابقة المفصل للمجمل إذ المجمل لم يذكر فيه إلا المستنكفون فأشار إلى الجواب بوجهين الأول أنه تفصيل لما علم صريحاً وضمناً لأن المقصود سيحشرهم وجميع العباد فيكون لفاً ونشرا تقديريا، والثاني أنه تفصيل للجزاء، وأنه بتعديهم، وتحسرهم بما يشاهدونه من نعيم غيرهم.
وفي الكشاف فإن قلت التفصيل غير مطابق للمفصل لأنه اشتمل على الفريقين، والمفصل على فريق واحد قلت: هو مثل قولك جمع الإمام الخوارج فمن لم يخرج عليه كسا.، وحمله ومن خرج عليه نكل به، وصحة ذلك لوجهين أحدهما أن يحذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه ولأنّ ذكر أحدهما يدل على ذكر الثاني كما حذف أحدهما في التفصيل في قوله عقيب هذا فأمّا الذين آمنوا بالله واعتصموا به، والثاني، وهو أنّ الإحسان إليهم مما يغمهم فكان داخلاً في جملة التنكيل بهم فكأنه قيل، ومن يستنكف عن عبادته، ويستكبر فسيعذب بالحسرة إذا رأى أجور العاملين وبما يصيبه من عذاب الله، وقال النحرير الجواب هو الأوّل، والثاني غير مستقيم لأنّ دخول أما على الفريقين لا على قسمي الجزاء. قوله:(عني بالبرهان المعجزات الخ) لأنّ البرهان الحجة، وهي حجة قاطعة، والقرآن مبين طرق الهداية فهو نور على الاستعارة، ودلائل العقل الخ لف، ونشر مرتب. قوله:) ثواب قدّره الخ) إنما فسره بالثواب المقدر لعطف فضل عليه، والرحمة حقيقة والتجوّز في كلمة في لتشبيه عموم الثواب وشموله بعموم الظرف، ولو فسر بالجنة كما فسر. به بعضهم كان التجوّز في المجرور دون الجار، وأشار إلى أنّ تسمية الثواب رحمة لأنه بمقتضى الإحسان لا الوجوب عليه كما هو مذهبنا. قوله:(ويهديهم إليه الخ) هذا الضمير إمّا عائد على الله، ومعنى الهداية إليه الهداية إلى عبادته أو على جميع ما قبله باعتبار أنه موعود أو على الفضل، وصراطا مستقيما مفعول ثان بناء على تعدي هدى إلى