الاستقلال به ثم قبله واستقر فِيهِ فِي محرّم سنة سبع وعشرين وثمانمائة، ولكنه ندم على القبول، وصرح بأنه جنى على نفسه.
ولم يلبث أن صرف عن القضاء، ثم أعيد، ولم يزل كذلك إِلَى أن أخلص فِي الإقلاع عن القضاء عقب صرفه فِي جمادى الثانية، سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة (أي: فِي سنة وفاته)؛ بعد زيادة مدة قضائه على إحدى وعشرين سنة، وزهد فِي القضاء زهدًا تًاما لكثرة ما توالى عليه من الأنكاد والمحن بسببه.
ثم تفرّغ للتدريس، وأمك ما يربو على ألف مجلس من حفظه، واشتهر ذكره، وبعُد صيته، وارتحل الأئمة إليه، وتبجح الأعيان بالوفود عليه، وكثرت طلبته حَتَّى كان رؤوس العلماء من كل مذهب من تلامذته، وأخذ النّاس عنه طبقة بعد أخرى، والحق الأبناء بالآباء، والأحفاد، بل وأبناءهم، بالأجداد.
وكان (رَحِمَهُ اللهُ)، لسعة حفظه وقوّة استحضاره، لا يمتنع من الفتاوي، بل والتصنيف وغيره فِي حال الإسماع؛ ويردّ - مع ذلك - على القارئ السقطَ فِي السند، والتحريفَ فِيه، وفي المتن. وأمره فِي ذلك أجل من أنْ يُذكر، كما قَالَ، السخاوي فِي "الجواهر والدرر"(١/ ٣٩٤).