أسمع، فقال أذنت لك فقل ما أحببت، فقال أحسنت! بحق الأمير إلا زدت هذين البيتين:
وكيف أُناجي الفكر والدمع حائر ... بمقلة موقوف على الصبر والجهد
ولم يعدني هذا الأمير بعدله ... على ظالم قد لج في الهجر والصدّ
فقال له محمد: ومن أي شيء استعديت يا مان؟ فاستحيا وقال: لا من ظلم أيها الأمير ولكن الطرب حرك شوقاً كامناً فظهر. وهل بعد الشيب من صبوة؟ ثم غنت بنوسة بشعر أبي العتاهية:
حجبوها عن الرياح لأني ... قلت للريح بلغيها السلاما
لو رضو بالحجاب هان ولكن ... منعوها يوم الرحيل الكلاما
فقال مان ما كان على قائل هذا الشعر لو زاد فيه هذين البيتين:
فتنفست ثم قلت لطيفي ... ويك لو زرت طيفها إلماما
حبها بالسلام سرّاً وإلا ... منعوها لشقوتي أن تناما
قال محمد: أحسنت يا مان! ثم غنت بنوسة بشعر أبي نواس:
يا خليلي ساعة لا تريما ... وعلى ذي صبابة فأقيما
ما مررنا بقصر زينب إلا ... فضح الدمع سرّي المكتوما
فقال مان: والله لولا رهبة الأمير، لأضفت إلى هذين البيتين بيتين، لا يردان على سمع ذي لب فيصدرا إلا عن استحسان منه لهما. فقال الأمير محمد: الرغبة في حسن ما تأتي به حائلة عن كل رهبة فقال ما بدا لك. فقال:
ظبية كالهلال لو تلحظ الصخ ... ر بطرفٍ لغادرته هشيماً
وإذا ما تبسمت خلت ما يب ... دو من الثغر لؤلؤاً منظوما
قال محمد: أحسنت يا مان! فأجز هذين البيتين:
لم تطب اللذات إلا بما ... دارت به ألفاظ بنّوسة