طلبه فقالوا: هو في المقبرة، فدخلت المقبرة فلما رآني هرب، فدخل مسجداً ورد الباب، فدخلت عليه فإذا هو في صلاة. فلما فرغ أقبل على مناجاته فقال: إليك توجه الطالبون وأرادوك، وإياك قصد المحبون واشتاقوك فآثروك. فدنوت منه وقلت: أحب أن تجيبني. فقال: نعم فجئت إلى منزلي به وقلت ما تشتهي؟ فقال: ما اشتهيت منذ أربعين سنة إلا المولى. قلت: الا اتخذ لك عصيدة جيدة؟ قال هذا إليك. فاتخذت له عصيدة بالسكر ووضعت بين يديه. فقال: لا أُريد مثل هذا ولكني أُريد على الصفة التي أصفها لك، قلت صفها لي. قال: خذ تمر الطاعات، واخرج منه نوى العجب، وخذ دقيق العبودية، وزعفران الرضا، وسمن النية، واجعل ذلك في طنجير التواضع، وصب عليه ماء الصفا، وأوقد تحتها نار الشوق، بحطب التوفيق، وحركه باصطام الحمد، واجعله على طبق الشكر، وضعه بين يدي. فمن أكل منه ثلاث لقمات كان شفاءً لصدره، وشفاءً لذنوبه، ثم قام ونفض ذيله وأنشأ يقول:
أفلح الزاهدونا والعابدونا ... إذ لمولاهم أجاعوا البطونا
أقرحوا الأعين الغزيرة شوقاً ... فمضى ليلهم وهم ساجدونا
حيرتهم مخافة الله حتى ... زعم الناس إن فيهم جنونا
[أبو الديك]
قال عبد الله بن محمد الفقيه: أرسل إلي عمران بن إسحاق بن الصباح فأتيته، وإذا أبو الديك عنده، وكان حسن البديهة، جيد الجواب. فإذا هو يحلب ويشير إلى الحائط. كأنه تكلم شيئاً، وكان لا يعتريه إلا عند الجوع، فقال عمران: علي بالمائدة. ثم قال: هلم وقال: هذه التي قال الله تعالى في كتابه حكاية عن نبيه عليه السلام " ربنا أنزل علينا مائدة من السماء " قال لي: يا عبد الله! هذه فطن العقلاء، وأذهان الحكماء. ثم أقبل على عمران وقال: أيها الأمير! ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً. فأنا مسكين يتيم أسير في حبس شيطان قد وكل بي، أعاذني الله منه. ثم أقبل على الطعام فإذا فتى ينشد شعراً:
إن الصنيعة لا تكون صنيعةً ... حتى يصاب بها طريق المصنع