قال عبد الله بن عبد العزيز السامري: مررت بدير هرقل أنا وصديق لي. فقال لي: أُدخل بنا لنرى من ملح المجانين، فقلت ذلك إليك. فدخلنا وإذا بشاب مليح الوجه، حسن الزي، قد أرجل شعره، وكحل عينيه، طراوة يعلوه حلاوة، مشدود إلى سلسلة بجانب حائط. فلما بصر بنا قال: مرحباً بالوفد قرب الله ما نأى منكما، بأبي أنتما. قلنا: وأنت فأمتع الله الخاصة والعامة بقربك وآنس جماعة ذوي المروءة بشخصك، وجعلنا وسائر من يحبك فداءك. فقال: أحسن الله عن جميل القول جزاءكما، وتولى عني مكافأتمكا. قلنا: فما تصنع في هذا المكان الذي أنت لغيره أهل؟ فقال:
الله يعلم انني كمد ... لا أستطيع أبث ما أجد
نفسان لي نفس تضمنها ... بلد وأُخرى حازها بلد
أما المقيمة ليس بنفعها ... صبر وليس يقرها جلد
وأظن غائبتي كشاهدتي ... وكأنها تجد الذي أجد
ثم التفت إلينا فقال: هل أحسنت؟ قلنا له نعم ما قصرت وولينا. فقال بأبي أنتما ما أسرع ذهابكما بالله اعيراني افهامكما واذهانكما قلنا هات فقال:
لما أناخوا قبيل الصبح عيرهم ... ورحلوها فسارت بالهوى الإبل
وقلبت من خلال السجف ناظرها ... ترنوا إلي ودمع العين منهمل
وودّعت ببنان عقده غم ... ناديت لا حملت رجلاك يا جمل