للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اذهبي في كلاءة الرحمن ... أنت منى في ذمة وأمان

فتهني فالجيد منك لليلى ... والحشا والبغام والعينان

لا تخافي بأن تسامي بسوء ... ما تغني الحمام في الأغصان

قال كثير: فأعجبني ما رأيت منه، فأقمت عنده، فلما كان من الغد غدا ونصب حبالته، فما لبث أن اضطرب الحبل، فقام وقمت فإذا ظبي كنحو ما كان بالأمس، ففعل به كما فعل بالآخر، فمضى غير بعيد ثم وقف ينظر إليه وأنشأ فقال:

ايا شبه ليلى لا تراعي فانني ... لك اليوم من وحشية لصديق

فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... سوى أن عظم الساق منك دقيق

ثم لبثنا يومنا وليلتنا، فلما كان من الغد غدا وغدوت وصنع مثل صنيعه، فإذا نحن بظبية قد وقعت في الحبالة، ففعل مثل ذلك فخلاها وأنشأ يقول:

تذكرني ليلى من الوحش ظبية ... لها مقلتاها والمقلد والحشا

فينهل دمع العين يجري لذكرها ... وأسفي عليك القلب بالدمع ما جرى

فقلت: لله أبوك، ما أعجب شأنك فالتفت إلي ثم قال:

أتلحى محباً هائماً أن رأى لمن ... أحب شبيهاً في الحبالة موثقا

فلما دنا منه تذكر شجوه ... وآنس مما قد رآه تشوقا

وهيج منه حائل دون ذبحه ... فأرسله من أجل ليلى فاعتقا

ألا لا تلمه بل له اليوم حرقة ... من الوجد لا يزداد إلا تحرقا

فوالله إني لفي ذلك إذ أقبل راكب فقال: اللهم إني أسألك خير ما عنده، فجاء حتى وقف فقال: اصبر يا قيس، قال عمن قال؟ عن ليلى، فقام إلى بعيره وقمت إلى بعيري فشددنا عليهما ثم أقبلنا إلى الحي فقال: أرشدوني إلى قبرها، فأشاروا له إلى قبر حديث عهد بطين، فأكب يقبله ويلتزمه ويشم ترابه وأنشأ يقول:

أيا قبر ليلى لا شهدناك أعولت ... عليك نساء من فصيح ومن عجم

<<  <   >  >>