اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ كَانَ مَظْلُومًا خُصُوصًا، لَا إنْ كَانَ ظَالِمًا، كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ وَالْوَكَالَةُ فَيَصِحَّانِ بِدُونِهَا، وَكَذَا الْإِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِجَازَةُ وَكَذَا الْقَذْفُ وَالسَّرِقَةُ
وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى قَصْدِ الْقَاتِلِ الْقَتْلَ، قَالُوا: لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ أَمْرًا بَاطِنِيًّا أُقِيمَتْ الْآلَةُ مَقَامَهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ عَادَةً كَانَ عَمْدًا وَوَجَبَ الْقِصَاصُ، وَإِلَّا فَإِنْ قَتَلَهُ بِمَا لَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ عَادَةً، لَكِنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ.
وَأَمَّا الْخَطَأُ بِأَنْ يَقْصِدَ مُبَاحًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا كَمَا عُلِمَ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، قَالُوا: إنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بِالْقَصْدِ، فَجَوَّزُوا لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَذْكَارِ بِقَصْدِ الذِّكْرِ، وَالْأَدْعِيَةِ بِقَصْدِ الدُّعَاءِ، لَكِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: لَوْ قَرَأَ بِقَصْدِ الذِّكْرِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ.
وَأَجَبْنَا عَنْهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِأَنَّهُ فِي مَحِلِّهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ. وَقَالُوا: إنَّ الْمَأْمُومَ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِنِيَّةِ الذِّكْرِ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا الضَّمَانُ؛ فَهَلْ يَتَرَتَّبُ فِي شَيْءٍ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ؟ فَقَالُوا فِي الْمُحْرِمِ: إذَا لَبِسَ ثَوْبًا ثُمَّ نَزَعَهُ وَمِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ قَصَدَ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ بِلُبْسِهِ.
وَقَالُوا فِي الْمُودَعِ إذَا لَبِسَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ نَزَعَهُ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَى لُبْسِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ.
وَأَمَّا التُّرُوكُ؛ كَتَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَذَكَرُوهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ، مَا تُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ،
عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} فَذَكَرُوهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ؛ وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ، وَأَمَّا لِحُصُولِ الثَّوَابِ.
فَإِنْ كَانَ كَفًّا، وَهُوَ أَنْ تَدْعُوَهُ النَّفْسُ إلَيْهِ قَادِرًا عَلَى فِعْلِهِ فَيَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ رَبِّهِ فَهُوَ مُثَابٌ، وَإِلَّا فَلَا ثَوَابَ عَلَى تَرْكِهِ، فَلَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا وَهُوَ يُصَلِّي، وَلَا يُثَابُ الْعِنِّينُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا، وَلَا الْأَعْمَى عَلَى تَرْكِ النَّظَرَ إلَى الْمُحَرَّمِ.
وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي الزَّكَاةِ: لَوْ نَوَى مَا لِلتِّجَارَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْخِدْمَةِ كَانَ لِلْخِدْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَهُوَ مَا إذَا نَوَى فِيمَا كَانَ لِلْخِدْمَةِ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَعْمَلَ لِأَنَّ التِّجَارَةَ عَمَلٌ، فَلَا تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَالْخِدْمَةُ تَرْكُ التِّجَارَةِ فَتَتِمُّ بِهَا. قَالُوا وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ وَالصَّائِمُ وَالْكَافِرُ وَالْمَعْلُوفَةُ وَالسَّائِمَةُ.
حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا وَلَا مُفْطِرًا وَلَا مُسْلِمًا وَلَا سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَيَكُونُ مُقِيمًاوَصَائِمًا وَكَافِرًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ، كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ،
وَمِنْ هُنَا وَمِمَّا قَدَّمْنَاهُ يَعْنِي فِي الْمُبَاحَاتِ، وَمِمَّا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْمَشَايِخِ، صَحَّ لَنَا وَضْعُ قَاعِدَةٍ لِلْفِقْهِ؛
هِيَ الثَّانِيَةُ: