فَائِدَةٌ: كُلُّ إنْسَانٍ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يُعْلَمْ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَبِهِ؛ لِأَنَّ إرَادَتَهُ غَيْبٌ عَنَّا، إلَّا الْفُقَهَاءَ فَإِنَّهُمْ عَلِمُوا إرَادَتَهُ تَعَالَى بِهِمْ بِخَبَرِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ؛ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ} ) كَذَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِلْعِرَاقِيِّ.
فَائِدَةٌ: إذَا وَلَّى السُّلْطَانُ مُدَرِّسًا لَيْسَ بِأَهْلٍ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ فِعْلَهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي تَوْلِيَةِ غَيْرِ الْأَهْلِ خُصُوصًا أَنَّا نَعْلَمُ مِنْ سُلْطَانِ زَمَانِنَا أَنَّهُ إنَّمَا يُوَلَّى الْمُدَرِّسُ عَلَى اعْتِقَادِ الْأَهْلِيَّةِ فَكَأَنَّهَا كَالْمَشْرُوطَةِ.
وَقَدْ قَالُوا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: لَوْ وَلَّى السُّلْطَانُ قَاضِيًا عَدْلًا فَفَسَقَ انْعَزَلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ صَارَتْ كَأَنَّهَا مَشْرُوطَةٌ وَقْتَ التَّوْلِيَةِ.
قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ؛ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَكَذَلِكَ يُقَالُ إنَّ السُّلْطَانَ اعْتَمَدَ أَهْلِيَّتَهُ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً لَمْ يَصِحَّ تَقْرِيرُهُ خُصُوصًا إنْ كَانَ الْمُقَرَّرُ عَنْ مُدَرِّسٍ أَهْلٍ فَإِنَّ الْأَهْلَ لَمْ يَنْعَزِلْ وَصَرَّحَ الْبَزَّازِيُّ فِي الصُّلْحِ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَعْطَى غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ فَقَدْ ظَلَمَ مَرَّتَيْنِ؛ بِمَنْعِ الْمُسْتَحِقِّ وَإِعْطَاءِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ رِسَالَةَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ: إنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إلَّا بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ.
وَعَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا وَافَقَ الشَّرْعَ.
وَإِلَّا فَلَا يَنْفُذُ.
وَفِي مُفِيدِ النِّعَمِ وَمُبِيدِ النِّقَمِ: الْمُدَرِّسُ إذَا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلتَّدْرِيسِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ تَنَاوُلُ الْمَعْلُومِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْفُقَهَاءُ الْمُنَزِّلُونَ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ مَدْرَسَتَهُمْ شَاغِرَةٌ مِنْ مُدَرِّسٍ (انْتَهَى) .
وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي الْمُدَرِّسِ، أَمَّا إذَا عُلِمَ شَرْطُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْمُقَرَّرُ مُتَّصِفًا بِهِ لَمْ يَصِحَّ تَقْرِيرُهُ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّدْرِيسِ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ.
وَالْأَهْلِيَّةُ لِلتَّدْرِيسِ لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا بِمَعْرِفَةِ مَنْطُوقِ الْكَلَامِ وَمَفْهُومِهِ وَبِمَعْرِفَةِ الْمَفَاهِيمِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ سَابِقَةُ اشْتِغَالٍ عَلَى الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الِاصْطِلَاحَاتِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْمَسَائِلِ مِنْ الْكُتُبِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ وَيُجِيبَ إذَا سُئِلَ، وَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى سَابِقَةِ اشْتِغَالٍ فِي النَّحْوِ وَالصَّرْفِ بِحَيْثُ صَارَ
يَعْرِفُ الْفَاعِلَ مِنْ الْمَفْعُولِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا قَرَأَ لَا يَلْحَنُ وَإِذَا لَحَنَ قَارِئٌ بِحَضْرَتِهِ رَدَّ عَلَيْهِ.