الْأُولَى: لَوْ اُسْتُشْهِدَ الْجُنُبُ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَمُقْتَضَاهَا أَنْ لَا يُغَسَّلَ كَقَوْلِهِمَا
الثَّانِيَةُ: لَوْ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ فَمُقْتَضَاهَا عَدَمُ التَّغْسِيلِ لِلْكُلِّ.
وَالشَّافِعِيَّةُ قَالُوا بِتَغْسِيلِ الْكُلِّ، وَلَمْ يُفَصِّلُوا، فَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَصَّلُوا فَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي مِنْ كِتَابِ التَّحَرِّي: وَإِذَا اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَوْتَى الْكُفَّارِ فَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ
عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْكُفَّارِ تُرِكَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ عَلَامَةٌ، وَالْمُسْلِمُونَ أَكْثَرُ غُسِّلُوا، وَكُفِّنُوا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ، وَيَنْوُونَ بِالصَّلَاةِ، وَالدُّعَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ الْكُفَّارِ، وَيُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ الْفَرِيقَانِ سَوَاءً أَوْ كَانَتْ الْكُفَّارُ أَكْثَرَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ، وَيُغَسَّلُونَ، وَيُكَفَّنُونَ، وَيُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ. (انْتَهَى)
وَقَدْ رَجَّحُوا الْمَانِعَ عَلَى الْمُقْتَضِي فِي مَسْأَلَةِ:
سُفْلٌ لِرَجُلٍ، وَعُلُوٌّ لِآخَرَ فَإِنْ كُلًّا مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ لِحَقِّ الْآخَرِ فَمِلْكُهُ مُطْلَقٌ لَهُ، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْآخَرِ بِهِ مَانِعٌ،
وَكَذَا تَصَرُّفُ الرَّاهِنِ، وَالْمُؤَجِّرِ فِي الْمَرْهُونِ، وَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ مَنْعٌ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْحَقُّ هُنَا عَلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِهِ إلَّا مَنْفَعَةٌ بِالتَّأْخِيرِ، وَفِي تَقْدِيمِ الْمِلْكِ تَفْوِيتُ عَيْنٍ عَلَى الْآخَرِ.
، وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ مَسَائِلِ الْحِيطَانِ
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: هَلْ يُكْرَهُ الْإِيْثَارُ بِالْقُرَبِ؟
لَمْ أَرَهَا الْآنَ لِأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَأَرْجُو مِنْ كَرَمِ الْفَتَّاحِ أَنْ يَفْتَحَ بِهَا أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِهَا: وَهِيَ الْإِيثَارُ فِي الْقُرَبِ
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْإِيثَارُ فِي الْقُرَبِ مَكْرُوهٌ، وَفِي غَيْرِهَا مَحْبُوبٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ، وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: لَا إيثَارَ فِي الْقُرُبَاتِ فَلَا إيثَارَ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ، وَلَا بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَلَا بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِالْعِبَادَاتِ التَّعْظِيمُ، وَالْإِجْلَالُ؛ فَمَنْ آثَرَ بِهِ فَقَدْ تَرَكَ إجْلَالَ الْإِلَهِ، وَتَعْظِيمَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ: لَوْ دَخَلَ الْوَقْتُ، وَمَعَهُ مَاءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ فَوَهَبَهُ لِغَيْرِهِ؛ لِيَتَوَضَّأَ بِهِ لَمْ يَجُزْ، لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْإِيثَارَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّفُوسِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرَبِ، وَالْعِبَادَاتِ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ: لَا يُقَامُ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لِيُجْلَسَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنْ قَامَ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يُكْرَهْ، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْإِمَامِ كُرِهَ.
قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ: لِأَنَّهُ آثَرَ بِالْقُرْبَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ: مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَمَعَهُ مَاءٌ يَكْفِيهِ بِطَهَارَتِهِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَحْتَاجُهُ لِلطَّهَارَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِيثَارُ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُضْطَرُّ إيثَارَ غَيْرِهِ بِالطَّعَامِ؛ لِاسْتِبْقَاءِ مُهْجَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ مُهْجَتِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّهَارَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسُوغُ فِيهِ