كِتَابُ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ وَالدَّعَاوَى
لَا يُعْتَمَدُ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ
فَلَا يُعْمَلُ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي إلَّا بِالْحُجَّةِ، وَهِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ أَوْ النُّكُولُ، كَمَا فِي وَقْفِ الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي خَطَّ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا كَتَبَ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ، كَمَا فِي قَضَاءِ الْخَانِيَّةِ.
وَفِي بُيُوعِ الْقُنْيَةِ: اشْتَرَى حَانُوتًا فَوَجَدَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى بَابِهِ مَكْتُوبًا وَقْفٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا، لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ لَا تُبْنَى الْأَحْكَامُ عَلَيْهَا (انْتَهَى) .
وَعَلَى هَذَا، الِاعْتِبَارِ بِكِتَابَةِ وَقْفٍ عَلَى كِتَابٍ أَوْ مُصْحَفٍ.
قُلْت: إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
الْأُولَى: كِتَابُ أَهْلِ الْحَرْبِ بِطَلَبِ الْأَمَانِ إلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ وَيَثْبُتُ الْأَمَانُ لِحَامِلِهِ، كَمَا فِي سِيَرِ الْخَانِيَّةِ.
وَيُمْكِنُ إلْحَاقُ الْبَرَاءَةِ السُّلْطَانِيَّةِ بِالْوَظَائِفِ فِي زَمَانِنَا إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ أَنَّهُ لَا يُزَوَّرُ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الِاحْتِيَاطَ فِي الْأَمَانِ لَحِقْنَ الدَّمَ فَلَا.
الثَّانِيَةُ: يُعْمَلُ بِدَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ وَالْبَيَّاعِ كَمَا فِي قَضَاءِ الْخَانِيَّةِ.
وَتَعَقَّبَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنَّ مَشَايِخَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ رَدُّوا عَلَى مَالِكٍ فِي عَمَلِهِ بِالْخَطِّ لِكَوْنِ الْخَطِّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، فَكَيْفَ عَمِلُوا بِهِ هُنَا؟
وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ فِي دَفْتَرِهِ إلَّا مَالَهُ وَعَلَيْهِ. وَتَمَامُهُ فِيهِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَفِي إقْرَارِ الْبَزَّازِيَّةِ: ادَّعَى مَالًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: كُلُّ مَا يُوجَدُ فِي تَذْكِرَةِ الْمُدَّعِي بِخَطِّهِ فَقَدْ الْتَزَمْته، لَا يَكُونُ إقْرَارًا.
وَكَذَا لَوْ قَالَ: مَا كَانَ فِي جَرِيدَتِك فَعَلَيَّ، إلَّا إذَا كَانَ فِي الْجَرِيدَةِ شَيْءٌ مَعْلُومٌ، أَوْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي شَيْئًا مَعْلُومًا.
فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا كَانَ تَصْدِيقًا؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَا يَلْحَقُ بِالْمَجْهُولِ، وَكَذَا إذَا أَشَارَ إلَى الْجَرِيدَةِ وَقَالَ: مَا فِيهَا فَهُوَ عَلَيَّ، كَذَلِكَ يَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ لَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ (انْتَهَى) .
مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ إذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ
وَلِذَا قَالُوا: إنَّ الْمَدْيُونَ لَا يُضْرَبُ فِي الْحَبْسِ وَلَا يُقَيَّدُ وَلَا يُغَلُّ.
قُلْت: إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي النَّفَقَاتِ، وَإِذَا لَمْ يَقْسِمْ بَيْنَ نِسَائِهِ وَوَعَظَ فَلَمْ يَرْجِعْ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ الْقِسْمِ، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مَعَ قُدْرَتِهِ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِهِ.
وَالْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ أَنَّ الْحَقَّ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَ لَا يُقْضَى
وَكَذَا نَفَقَةُ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ.
وَحَقُّهَا فِي الْجِمَاعِ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ لَا إلَى خَلَفٍ