الثَّانِي: لَوْ كَانَتْ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الزَّوَائِدُ لِلْغَاصِبِ، لِأَنَّ ضَمَانَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَمَانِ غَيْرِهِ.
وَبِهَذَا اُحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَضْمَنُ مَنَافِعَ الْغَصْبِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْمِلْكِ وَجَعَلَ الْخَرَاجَ لِمَنْ هُوَ مَالِكُهُ إذَا تَلِفَ تَلِفَ عَلَى مِلْكِهِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي.
وَالْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ، وَبِأَنَّ الْخَرَاجَ هُوَ
الْمَنَافِعُ جَعَلَهَا لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ، بَلْ إذَا أَتْلَفَهَا فَالْخِلَافُ فِي ضَمَانِهَا عَلَيْهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ، ذَكَرَهُ الْأَسْيُوطِيُّ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيمَا إذَا دَفَعَ الْأَصِيلُ الدَّيْنَ إلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَنْهُ، فَرَبِحَ الْكَفِيلُ فِيهِ وَكَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ، أَنَّ الرِّبْحَ يَطِيبُ لَهُ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْحَدِيثِ؛ وَقَالَ الْإِمَامُ يَرُدُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ فِي رِوَايَةٍ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ.
وَقَالُوا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا فُسِخَ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ لَا لِلْمُشْتَرِي.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحِنْثَ إنْ كَانَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَإِنَّ الرِّبْحَ لَا يَطِيبُ كَمَا إذَا رَبِحَ فِي الْمَغْصُوبِ وَالْأَمَانَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَعَيِّنِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ طَابَ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ لَا فِيمَا يَتَعَيَّنُ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَ الْأَسْيُوطِيُّ: خَرَجَتْ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ مَا لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا فَإِنَّ وَلَاءَهُ يَكُونُ لِابْنِهَا وَلَوْ جَنَى جِنَايَةً خَطَأً فَالْعَقْلُ عَلَى عَصَبَتِهَا دُونَهُ.
وَقَدْ يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي بَعْضِ الْعِصَابَاتِ يَعْقِلُ وَلَا يَرِثُ (انْتَهَى) .
وَأَمَّا مَنْقُولُ مَشَايِخِنَا فَلَمْ أَرَهُ.
الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: السُّؤَالُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ
قَالَ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ آخِرِ الْوَكَالَةِ وَعَنْ الثَّانِي لَوْ قَالَ: امْرَأَةُ زَيْدٍ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى الْحَرَامِ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ.
فَقَالَ زَيْدٌ: نَعَمْ.
كَانَ زَيْدٌ حَالِفًا بِكُلِّهِ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ، وَلَوْ قَالَ: أَجَزْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ: نَعَمْ فَهُوَ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى شَيْءٍ وَلَوْ قَالَ: أَجَزْتُ ذَلِكَ عَلَى إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ أَوْ أَلْزَمْتُهُ نَفْسِي إنْ دَخَلْتُ لَزِمَ، وَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَى آخِرِهِ. وَفِيهَا مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ: قَالَتْ لَهُ أَنَا طَالِقٌ.
فَقَالَ نَعَمْ، تَطْلُقُ.
وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي فَقَالَ: نَعَمْ.
لَا، وَإِنْ نَوَى، قِيلَ لَهُ أَلَسْتَ طَلُقَتْ امْرَأَتَكَ.
قَالَ: بَلَى.
طَلُقَتْ لِأَنَّهُ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ بِالْإِثْبَاتِ، وَلَوْ قَالَ: نَعَمْ.
لَا، لِأَنَّهُ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ بِالنَّفْيِ، كَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ مَا طَلَّقْتُ (انْتَهَى) .