رَحِمَهُ اللَّهُ
مِثَالُهُ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ صَارَ الثَّوْبُ مِلْكًا لَهُ، وَحَدَثَ بِالشِّرَاءِ فِي ذِمَّتِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ؛ فَإِذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي عَشَرَةً إلَى الْبَائِعِ وَجَبَ مِثْلُهَا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ دَيْنًا، وَقَدْ وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي عَشَرَةٌ بَدَلًا عَنْ الثَّوْبِ، وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ مِثْلُهَا بَدَلًا عَنْ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا (انْتَهَى) .
وَتَفَرَّعَ عَلَى أَنَّ طَرِيقَ إيفَائِهِ إنَّمَا هُوَ الْمُقَاصَّةُ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْهُ بَعْدَ قَضَائِهِ صَحَّ وَرَجَعَ الْمَدْيُونُ عَلَى الدَّائِنِ بِمَا دَفَعَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُدَايَنَاتِ مِنْ قِسْمِ الْفَوَائِدِ وَاخْتُصَّ الدَّيْنُ بِأَحْكَامٍ: مِنْهَا جَوَازُ الْكَفَالَةِ بِهِ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا وَهُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ؛ فَلَا يَجُوزُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِدُونِهِمَا بِالتَّعْجِيزِ.
وَمِنْهَا جَوَازُ الرَّهْنِ بِهِ؛ فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ وَالرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْأَمَانَةِ وَالْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ.
وَأَمَّا الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْمَبِيعِ فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَالرَّهْنُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالدُّيُونِ، قَالَ الْأُسْيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْزِيًّا إلَى السُّبْكِيّ فِي تَكْمِلَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ:
فَرْعٌ:
حَدَثَ فِي الْأَعْصَارِ الْقَرِيبَةِ؛ وَقْفُ كُتُبٍ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا تُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ لَا تَخْرُجَ مِنْ مَكَانِ تَحْبِيسِهَا إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ لَا تَخْرُجَ أَصْلًا.
وَاَلَّذِي أَقُولُ فِي هَذَا: أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي يَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ لَهَا عَارِيَّةٌ أَيْضًا، بَلْ الْأَخْذُ بِهَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ وَيَدُهُ عَلَيْهَا يَدُ أَمَانَةٍ.
فَشَرْطُ أَخْذِ الرَّهْنِ عَلَيْهَا فَاسِدٌ، وَإِنْ أَعْطَاهُ كَانَ رَهْنًا فَاسِدًا، وَيَكُونُ فِي يَدِ خَازِنِ الْكُتُبِ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْعُقُودِ فِي الضَّمَانِ كَصَحِيحِهَا، وَالرَّهْنُ أَمَانَةٌ، هَذَا إذَا أُرِيدَ الرَّهْنُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ أُرِيدَ مَدْلُولُهُ لُغَةً وَأَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً، فَيَصِحُّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مُرَادُ الْوَاقِفِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْبُطْلَانِ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالصِّحَّةِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا بِدُونِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا بِهِ لِعُذْرِهِ وَلَا بِدُونِهِ، إمَّا؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِمَّا لِفَسَادِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَخْرُجْ مُطْلَقًا، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا مَظِنَّةُ ضَيَاعِهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يُمَكِّنَ كُلَّ مَنْ يَقْصِدُ الِانْتِفَاعَ بِتِلْكَ الْكُتُبِ فِي مَكَانِهَا، وَفِي بَعْضِ الْأَوْقَافِ يَقُولُ لَا تَخْرُجْ إلَّا بِتَذْكِرَةٍ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا وَجْهَ لِبُطْلَانِهِ، وَهُوَ كَمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ قَوْلَهُ إلَّا بِرَهْنٍ فِي الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ، فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ أَنَّ تَجْوِيزَ الْوَاقِفِ الِانْتِفَاعَ لِمَنْ يَخْرُجُ بِهِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute