للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِثْلُهَا فِي الشَّامِ قَبْلَ التِّسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ.

وَطَلَبُوا فِيهَا نَقْلًا فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأَرْسَلُوا إلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَسْأَلُونَ عَنْهَا وَلَا أَدْرِي مَا أَجَابُوهُمْ، لَكِنِّي رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى أَوْلَادِهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، فَمَاتَ وَاحِدٌ عَنْ وَلَدِهِ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، فَإِذَا مَاتَ آخَرُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى أَخِيهِ وَابْنِ أَخِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ.

فَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ بَعْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ فَيَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْقَادِرِ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ أَهْلِ الْوَقْفِ إذَا آلَ إلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقُ.

قَالَ: وَمِمَّا يُتَنَبَّهُ لَهُ أَنَّ بَيْنَ أَهْلِ الْوَقْفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ.

فَإِذَا وَقَفَ مَثَلًا عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ فَعَمْرٌو مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ زَيْدٍ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ قَصَدَهُ الْوَاقِفُ بِخُصُوصِهِ وَسَمَّاهُ وَعَيَّنَهُ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَتَّى يُوجَدَ شَرْطُ اسْتِحْقَاقِهِ، وَهُوَ مَوْتُ زَيْدٍ وَأَوْلَادِهِ إذَا آلَ إلَيْهِمْ الِاسْتِحْقَاقُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ.

وَلَا يُقَالُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ الْوَاقِفُ، وَإِنَّمَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْأَوْلَادِ كَالْفُقَرَاءِ.

قَالَ: فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْقَادِرِ وَالِدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَصْلًا وَلَا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اسْمِهِ.

قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ أَبِيهِ يَسْتَحِقُّ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَبُوهُ جَرَى عَلَيْهِ الْوَقْفُ فَيُنْقَلُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ إلَى أَوْلَادِهِ.

قَالَ: وَهَذَا قَدْ كُنْتُ فِي وَقْتٍ أَبَحْتُهُ ثُمَّ رَجَعْتُ عَنْهُ.

فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ قَالَ الْوَاقِفُ إنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ أَهْلِ الْوَقْفِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ فَقَدْ سَمَّاهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، مَعَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقٍ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ

أَطْلَقَ أَهْلَ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْوَقْفُ " فَيَدْخُلُ مُحَمَّدٌ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةُ فِي ذَلِكَ فَيَسْتَحِقَّانِ.

وَنَحْنُ إنَّمَا نَرْجِعُ فِي الْأَوْقَافِ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ وَاقِفِيهَا سَوَاءٌ وَافَقَ ذَلِكَ عُرْفَ الْفُقَهَاءِ أَمْ لَا.

قُلْتُ لَا نُسَلِّمُ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَاهُ، أَمَّا أَوَّلًا، فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ وَإِنَّمَا قَالَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا صَارَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَيَتَرَتَّبُ اسْتِحْقَاقًا آخَرَ فَيَمُوتُ قَبْلَهُ، فَنَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى أَنَّ وَلَدَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَوْ الْبَطْنَ الَّذِي بَعْدَهُ، وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقُ، أَعْنِي أَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، قَدْ يَتَأَخَّرُ اسْتِحْقَاقُهُ إمَّا لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِمُدَّةٍ كَقَوْلِهِ: فِي سَنَةِ كَذَا فَيَمُوتُ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ

<<  <   >  >>