للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَذَلِكَ، وَصُوفِيٍّ عَلَى طَرِيقَةِ الصُّوفِيَّةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا وَقَفُوهُ غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ بِمَا شَرَطُوهُ، وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الِاسْتِنَابَةُ بِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ، وَيَتَنَاوَلُ الْمَعْلُومَ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَا اسْتَنَابَ

وَاشْتِرَاكُ الِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي الْوَظِيفَةِ الْوَاحِدَةِ، وَالْوَاحِدُ عَشْرَ وَظَائِفَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ

الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ، وَلَوْ قَرَّرَهُ وَبَاشَرَ الْوَظِيفَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ بِجَعْلِ أَحَدٍ، وَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ فِي مِلْكِ الَّذِي وَقَفَ فَهُوَ تَوَهُّمٌ فَاسِدٌ، وَلَا يُقْبَلُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ.

أَمَّا أَوْقَافُ أَرْضٍ مَلَكُوهَا وَأَوْقَفُوهَا فَلَهَا حُكْمٌ آخَرُ، وَهِيَ قَابِلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَوَإِذَا عَجَزَ الْوَاقِفُ عَنْ الصَّرْفِ إلَى جَمِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رُوعِيَ فِيهِ صِفَةُ الْأَحَقِّيَّةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِ الْوَظَائِفِ مَنْ هُوَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَقُدِّمَ الْأَوَّلُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ وَآلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْهُ قُدِّمَ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي حَاجَةٍ قُدِّمَ الْأَكْبَرُ فَالْأَكْبَرُ فَيُقَدَّمُ الْمُدَرِّسُ ثُمَّ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ الْقَيِّمُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، اُتُّبِعَ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ تَقْدِيمَ أَحَدٍ لَمْ يُقَدَّمْ فِيهِ أَحَدٌ، بَلْ يُقَسَّمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ أَهْلِ الْوَقْفِ بِالسَّوِيَّةِ، أَهْلِ الشَّعَائِرِ وَغَيْرِهِمْ (انْتَهَى) بِلَفْظِهِ.

وَقَدْ اغْتَرَّ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي زَمَانِنَا فَاسْتَبَاحُوا تَنَاوُلَ مَعَالِيمِ الْوَظَائِفِ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ أَوْ مَعَ مُخَالَفَةِ الشُّرُوطِ وَالْحَالُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ عَنْ فُقَهَائِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَاقِلٌ، وَأَمَّا الْأَرَاضِي الَّتِي بَاعَهَا السُّلْطَانُ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا ثُمَّ وَقَفَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ شَرَائِطِهِ فَإِنْ قُلْت هَلْ فِي مَذْهَبِنَا لِذَلِكَ أَصْلٌ؟ قُلْت: نَعَمْ، كَمَا بَيَّنْته فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ.

وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فَأَجَابَ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ الْبَيْعَ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَبَيَّنْت فِي الرِّسَالَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ، كَبَيْعِ عَقَارِ الْيَتِيمِ عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى بِهِ، فَإِنْ قُلْت هَذَا فِي أَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ أَمَّا فِي أَوْقَافِ السَّلَاطِينِ فَلَا قُلْت: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ لِلسُّلْطَانِ الشِّرَاءَ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ، وَهِيَ جَوَابُ الْوَاقِعَةِ الَّتِي أَجَابَ عَنْهَا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْأَشْرَفِ (بِرْسِبَايْ) إذَا اشْتَرَى مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا ثُمَّ وَقَفَهَا فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَمَّا إذَا وَقَفَ السُّلْطَانُ

مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ جَوَازَهُ، وَلَا يُرَاعَى مَا شَرَطَهُ دَائِمًا

<<  <   >  >>