للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السَّابِعَةُ: دِيَةُ الْقَتْلِ تَثْبُتُ لِلْمَقْتُولِ ابْتِدَاءً ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ؛ فَهِيَ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ فَتُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ؛ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ دَخَلَتْ.

وَعِنْدَنَا الْقِصَاصُ بَدَلٌ عَنْهَا فَيُورَثُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ مَا لَا تُقْضَى بِهِ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ، ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ.

وَفُرِّعَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مِنْ فَرْعِهِ: لَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ؛ وَقُلْنَا لَا قِصَاصَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ؛ فَلَا دِيَةَ أَيْضًا لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْمَقْتُولِ وَقَدْ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهَا لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ وُجُوبِهَا؛ فَظَهَرَ مَا رَجَّحْتُهُ بَحْثًا مُرَجَّحًا نَقْلًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَلَوْ جَنَى الْمَرْهُونُ عَلَى وَارِثِ السَّيِّدِ قَتْلًا لَمْ أَرَهُ الْآنَ، وَمُقْتَضَى ثُبُوتِهَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِمَا إذَا جَنَى عَلَى الرَّاهِنِ.

الثَّامِنَةُ: فِي رَقَبَةِ الْوَقْفِ؛ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ عَنْ الْمَالِكِ لَا إلَى مَالِكٍ، وَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مُعَيَّنًا

التَّاسِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ مِلْكِ الْوَارِثِ: قِيلَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ، وَقِيلَ بِمَوْتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مَعَ فَائِدَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ الْفَوَائِدِ، وَالدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ لِلتَّرِكَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ، قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ اسْتَغْرَقَهَا دَيْنٌ لَا يَمْلِكُهَا بِإِرْثٍ إلَّا إذَا أَبْرَأَ الْمَيِّتَ غَرِيمُهُ أَوْ أَدَّاهُ وَارِثُهُ بِشَرْطِ التَّبَرُّعِ وَقْتَ الْأَدَاءِ، أَمَّا لَوْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مُطْلَقًا، بِشَرْطِ التَّبَرُّعِ أَوْ الرُّجُوعِ، يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمَيِّتِ فَتَصِيرُ مَشْغُولَةً بِدَيْنٍ فَلَا يَمْلِكُهَا؛ فَلَوْ تَرَكَ ابْنًا وَقِنًّا وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ فَأَدَّاهُ وَارِثُهُ ثُمَّ أَذِنَ لِلْقِنِّ فِي التِّجَارَةِ أَوْ كَاتِبِهِ لَمْ يَصِحَّ إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْوَارِثِ التَّرِكَةَ الْمُسْتَغْرِقَةَ بِالدَّيْنِ وَإِنَّمَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي وَالدَّيْنَ الْمُسْتَغْرِقَ بِمَنْعِ جَوَازِ الصُّلْحِ وَالْقِسْمَةِ فَإِنْ لَمْ يُسْتَغْرَقْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَالِحُوا مَا لَمْ يَقْضُوا دَيْنَهُ، وَلَوْ فَعَلُوا جَازَ، وَلَوْ اقْتَسَمُوهَا ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ مُحْبِطٌ أَوْ لَا رُدَّتْ الْقِسْمَةُ وَلِلْوَارِثِ اسْتِخْلَاصُ التَّرِكَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا.

وَهُنَا مَسْأَلَةٌ: لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِلْوَارِثِ وَالْمَالُ مُنْحَصِرٌ فِيهِ؛ فَهَلْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَمَا يَأْخُذُهُ مِيرَاثٌ أَوْ لَا، وَمَا يَأْخُذُهُ دَيْنُهُ؟ قَالَ فِي آخِرِ الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتِغْرَاقُ التَّرِكَةِ بِدَيْنِ الْوَارِثِ إذَا كَانَ هُوَ الْوَارِثَ لَا غَيْرُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ (انْتَهَى) .

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمَيِّتِ، فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ حَيٌّ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِالْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمَيِّتُ، وَيَصِحُّ إثْبَاتُ دَيْنِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ وَيَتَصَرَّفُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ بِالْبَيْعِ فِي التَّرِكَةِ مَعَ وُجُودِهِ.

وَأَمَّا مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ خِلَافَةً عَنْهُ بَلْ بِعَقْدٍ يَمْلِكُهُ ابْتِدَاءً، فَانْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَقِّهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ

<<  <   >  >>