يعرف بإجماع الصحابة على الأخذ بالظواهر, وأن الشرع لم يتصرف في ذلك بوضع عرفي. وأيضا فلو لم نصر إلى الأخذ بالظواهر لكان سيبطل كثير من العبادات لأن النصوص معوزة جدا. وبالجملة الضرورة الداعية إلى العمل بأخبار الآحاد هي ههنا الضرورة الداعية إلى العمل بظواهر الألفاظ. وهذه الألفاظ الظاهرة لها مراتب في الظهور. وكلما كان اللفظ أظهر احتيج في تأويله إلى دليل أقوى, وبالعكس متى كان اللفظ قليل الظهور انصرف إلى التأويل بأيسر دليل. ولنضرب في ذلك ثلاثة أمثلة, واحدا في الرتبة الأولى وثانيا في الرتبة الوسطى وثالثا في الرتبة الأخيرة, وذلك في صنفي الظاهر جميعا.
١٦٧- أما الذي في المرتبة الأولى من الأسماء المستعارة فمثل من حمل قوله عز وجل:
{يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم} . على أن اللباس ههنا المطر, فإن مثل هذا التأويل يحتاج إلى دليل فإن اللباس ظاهر جدا فيما يواري الإنسان, والثاني مثل حمل قوله تعالى:{لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان} . على أن الميزان ههنا العدل. والثالث مثل قوله تعالى:{أو لامستم النساء.} فإن بعض الفقهاء حمله على اللمس الذي باليد, وحمله بعضهم على الجماع. وهذا وإن كان الظاهر فيه اللمس باليد فقد يحتمل أن يراد به الجماع احتمالا قريبا, إذ ذلك من عادة العرب, وقد كنّى الله تعالى عن الجماع بالمسيس, وهو في معنى اللمس.
١٦٨- وبالجملة فمراتب الظهور في الألفاظ إنما هو بحسب كثرة الاستعمال وقلته, فإن بلغت كثرة الاستعمال في المعنى الذي استعير له أن يعادل استعماله في المعنى الأول بقي اللفظ بين الأول والثاني مشتركا ومجملا, ومهما نقصت كثرة الاستعمال في الثاني كان أظهر في الأول,