للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد لام النبي - صلى الله عليه وسلم - من دخل المسجد ولم يصل، وقال: «ما منعكما أن تصليا معنا» (١). مع أنهما قد صليا في رحالهما ... وهذه المسألة أخص من المسألة المتنازع فيها.

وأما قولكم: «إنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا»، وأن المسافر يأخذ حكم المقيم إن كان ماكثًا نازلًا في وجوب إجابة النداء، فنحن نسلم بصحة هذه القاعدة، ولكننا نقول: إن محلها ما لم يكن استقل التبع بحكم آخر يمنع إلحاقه بالمتبوع، واعتبر هذا بالبهيمة المذكاة إن وجد جنين في بطنها أنه إذا خرج ميتًا فهو كجزء من أجزائها، وإن خرج حيًّا فلا بد من تذكيته ولا يتبع أمه، وفي مسألتنا فإن المسافر مستقل بأحكام خاصة تناسب حاله فلا يخرج عنها إلا بدليل، وإنما يثبت تبعًا هنا أهل مصر ممن لا يسمع النداء ومن كان حوله وحده كثير منهم بفرسخ.

فهذا نهاية إقدام الفرقين وغاية سجال الطائفتين.

وأنا على مذهب جماهير الأمة (٢) من عدم الوجوب والإلزام، نعم يستحب شهودها من غير حرج وانحتام.

قال الشاطبي في الموافقات (١/ ٤٤٣): وأما الرابع فكأسباب الرخص هي موانع من الانحتام بمعنى: أنه لا حرج على من ترك العزيمة ميلًا إلى جهة الرخصة كقصر المسافر وفطره وتركه الجمعة وما أشبه ذلك.

وبهذا ننهي هذا البحث في مسألة صلاة المسافر.

وقوله: (.. ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى المَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَافَتِهِ القَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ،


(١) رواه أبو داود (٥٧٥)، والترمذي (٢١٩)، والنسائي (٨٥٨)، وأحمد (٤/ ١٦٠، ١٦١)، وغيرهم.
(٢) قال القرافي في الفروق (٢/ ٥٥٧): والحق لا يفوت الجمهور غالبًا.

<<  <   >  >>