الثالث: أن يكون ذلك [من] أول الأمر ثم نسخ, وكان آخر الأمرين عنه: ترك الجهر, ويدل على أنه آخر الأمرين: أن أكابر الصحابة عملوا به. وما روى أبو داود في «الناسخ والمنسوخ» عن سعيد بن جبير «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بمكة, قال: وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن, فقالوا: إن محمداً يدعوا إلى إله اليمامة, فأمر الله رسوله بإخفائها, فما جهر بها حتى مات» رواه الطبراني في «المعجم» عن سعد عن ابن عباس مسنداً, ويحقق هذا أن الجهر بها أكثر ما يعرف عن المكيين, مثل عطاء وطاووس ومجاهد, وبهذا يتبين أنه لا يستوي الجهر بها والإسرار مطلقاً.
وقول من خرّج ذلك على القراءتين ضعيف, فإنه قد يجهر بها وإن لم تكن قرآناً, كما يجهر بالتأمين, وقد يخافت بها وإن كانت من القرآن, كما سنذكر, ولو صح ذلك لم يمنع أن تكون المخافتة بها أولى, كما تختار بعض الحروف على بعضٍ.
وأما كون الجهر بها أولى؛ لأنه من القرآنِ أو من السورة,