للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• فمن أقواله الوعظيَّة قوله - رضي الله عنه - (١):

«لا تحقرنَّ شيئًا من الشرِّ أن تتَّقيه، ولا شيئًا من الخير أن تفعله».

وهذه الموعظة يصدِّقها القرآن والسُّنَّة؛ أمَّا القرآن، ففي قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا} [الزلزلة: ٧، ٨]، وفي السُّنَّة: يكفي أن يتأمَّل المؤمن قصة امرأتين: إحداهما كانت بغيًّا سقت كلبًا من العطش، فغفر الله لها ودخلت الجنة (٢)، وأخرى حبست هرَّةً لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض فدخلت النار (٣).

وفي واقع بعض الناس تجد أنَّه يمارس الاستهانة بذرَّة الخير وذرَّة الشرِّ وهو لا يشعر، فحينما يسمع بعضهم عن دعوةٍ للتبرُّع لعملٍ خيريٍّ، يقول في نفسه، على سبيل المثال-: إمَّا أن أدفع مبلغًا كبيرًا أو لا أدفع شيئًا! بحجَّة أنَّ المبلغ اليسير لا يصنع شيئًا، وفي المقابل يستهين بعضهم بذنوبٍ ومعاصٍ بحجة أنَّها من الصغائر! وفي البخاريِّ عن أنسٍ - رضي الله عنه -: «إنَّكم لتعملون أعمالًا هي أدقُّ في أعينكم من الشَّعر، إن كنَّا لنعدُّها على عهد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات»، قال أبو عبد الله: «يعني بذلك: المهلكات» (٤)، بوَّب عليه البخاريُّ: «باب ما يتَّقى من محقَّرات الذُّنوب».

والموفَّق من لم يدع حسنةً يقدر عليها إلا فعلها، ولا سيِّئة إلا تركها؛ فإنَّه لا يدري ما العمل الذي يبلِّغه رضوان الله، وكذلك ما السيِّئة التي تقصم ظهره!

* * *


(١) تاريخ دمشق (٤٧/ ١٦١).
(٢) مسلم ح (٢٢٤٥).
(٣) البخاري ح (٣٤٨٢)، مسلم ح (٢٢٤٢).
(٤) البخاري ح (٦٤٩٢).

<<  <   >  >>