للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• ومن مواعظه - رضي الله عنه - (١):

«ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنَّ الخير أن يكثر عملك، ويعظم حِلمُك، وأن تباري الناس في عبادة الله، وإذا أحسنت حمدتَّ الله، وإذا أسأت استغفرت الله». إنَّ أبا الدرداء - رضي الله عنه - يصحِّح بهذه الموعظة مفهومًا يقع في أذهان بعض الناس في حقيقة الخيريَّة، التي ربَّما حصرها بعضهم في كثرة المال والولد! وليست كذلك؛ فلو كانت كثرة المال والولد خيرًا، لكان الوليد بن المغيرة والعاص بن وائلٍ - اللذان غرَّهما مالهما وولدهما - من خير الناس، وليسا كذلك بنصِّ القرآن؛ قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَاتِينَا فَرْدًا} [مريم: ٧٧ - ٨٠]، وقال في شأن الوليد: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} [المدثر: ١١ - ١٧] الآيات.

إذًا، ما الخير في فهم أبي الدرداء؟ «ولكنَّ الخير أن يكثر عملك، ويعظم حلمك، وأن تباري الناس في عبادة الله، وإذا أحسنت حمدتَّ الله، وإذا أسأت استغفرت الله».

هكذا هم أئمة السلف؛ يصحِّحون المفاهيم المغلوطة، أو التي حصل فيها انحرافٌ، ومن ذلك هذا المعنى؛ فإنَّ كثرة المال والولد لا تمدح ولا تذمُّ لذاتها، فكم في أعداء الله تعالى من هو أغنى من مئات


(١) تاريخ دمشق؛ لابن عساكر (٤٧/ ١٥٩).

<<  <   >  >>