للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنَّما شقَّ الحساب يوم القيامة على قومٍ أخذوا هذا الأمر على غير محاسبةٍ» (١).

فخليقٌ بنا جميعًا أن يكون لنا جلساتٌ- بين الفينة والأخرى - نحاسب فيها أنفسنا، وننظر فيما مضى من أعمالنا، وما الذي ينتظرنا في مستقبلنا الأخرويِّ؟

وممَّا يحسن إيراده هنا: تلك الخاطرة التي قيَّدها ابن الجوزيِّ رحمه الله في «صيده» حين قال:

«تفكَّرت في نفسي يومًا تفكُّر محقِّقٍ، فحاسبتها قبل أن تحاسب، ووزنتها قبل أن توزن، فرأيت اللُّطف الربانيَّ؛ فمنذ الطفولة وإلى الآن أرى لطفًا بعد لطفٍ، وسترًا على قبيحٍ، وعفوًا عمَّا يوجب عقوبةً، وما أرى لذلك شكرًا إلا باللسان!

ولقد تفكَّرت في خطايا، لو عوقبت ببعضها، لهلكت سريعًا، ولو كشف للناس بعضها، لاستحييت!

ولا يعتقد معتقدٌ عند سماع هذا أنَّها من كبائر الذنوب؛ حتى يَظُنَّ فيَّ ما يَظُنُّ في الفسَّاق! بل هي ذنوبٌ قبيحةٌ في حقِّ مثلي، وقعت بتأويلاتٍ فاسدةٍ، فصرت إذا دعوت أقول: اللَّهمَّ بحمدك وسترك عليَّ اغفر لي! ثم طالبت نفسي بالشكر على ذلك؛ فما وجدتُّه كما ينبغي.

فأخذت أنوح على تقصيري في شكر المنعم، وكوني أتلذَّذ بإيراد العلم من غير تحقيق عملٍ به، وقد كنت أرجو مقامات الكبار، فذهب العمر وما حصل المقصود!» (٢). اهـ.

* * *


(١) حلية الأولياء (٢/ ١٥٧).
(٢) صيد الخاطر (ص ٤٧٤).

<<  <   >  >>