للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الموعظة يمكن أن نجعلها قاعدة من قواعد الأدب والتعامل مع الناس، خاصةً ممَّن يصدر منهم ألوانٌ من الجهل والسَّفه، فإنَّ من تأمَّل وجد أنَّ الابتلاء بهذا النوع من الناس، هو نوعٌ من التربية العمليَّة على قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣]، وقوله: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: ٥٥].

وإلا فما يصنع العاقل مع السفهاء والجهَّال؟ أيجاريهم؟ أم يبادلهم الشَّتم بمثله؟ أم ماذا؟ ليس ثمَّة شيءٌ أنفع ممَّا ذكره أبو ذرٍّ - رضي الله عنه -، وليكن من قصد المؤمن- أيضًا-: الرحمة بهؤلاء الجهَّال، الذين كسدت بضاعة ألفاظهم في سوق الأخلاق وللأسف.

وما أحوج الإخوة الذين دخلوا في مواقع التواصل الاجتماعيِّ إلى استشعار هذا المعنى جيدًا؛ فإنَّ التجربة دلَّت على أن سوق السفهاء وقليلي الأدب رائجةٌ في أمثال هذه المواقع، وقد يتعرَّض الإنسان العاديُّ - فضلًا عن الداعية والعالم - إلى ألوانٍ من السفه والحماقة، لا يمكن دفعها إلا بمثل هذا النوع من التوجيه الرائع.

وخليقٌ بأمثال هؤلاء أن يتمثَّلوا هدي القرآن الذي أشرت إليه آنفًا، وأن يتذكَّروا هدي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مع هذا النوع من الناس، وهدي السلف الصالح - رضي الله عنهم -، ومن ذلك: أنَّ رجلًا شتم الشَّعبيَّ، فقال له الشعبيُّ: إن كنتُ كما قلتَ، فغفر الله لي، وإن لم أكن كما قلتَ، فغر الله لك.

وما أجمل كلمة أبي ذرٍّ حين قال: «فإنَّا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه»! فالسفيه بشتمه وإقذاعه قد

<<  <   >  >>