للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمان إذا وقر في القلب (١)، سهل عليه بعد ذلك أن يتلقَّى التكاليف مهما عظمت.

لقد كانت أصول هذه التربية قائمةً على التربية على الإيمان بالله وتوحيده، وتوقير رسوله - صلى الله عليه وسلم - ونُصرته، والتعلُّق بالآخرة؛ من خلال تدبُّر آيات الله تعالى، والعيش معها، وتلقِّي رسالات الله تلقِّي السعيد بها، المُغتبط بمضامينها، المستعدِّ لتنفيذها.

فإن أردتَّ مثالًا يُوضِّح المراد، فتأمَّل في آثار التربية النبويَّة للصحابة - رضي الله عنهم - في مكة وأوائل قدومه المدينة- قبل أن تكثر الشرائع والأحكام الفقهيَّة- فلمَّا وقعت غزوة بدرٍ على غير ميعادٍ، بل ونفوس بعض الصحابة كارهةٌ للقتال، ومع هذا كلِّه ظهرت آثار تلك التربية الإيمانيَّة العظيمة؛ في بسالة الصحابة وبطولاتهم، وإظهار النصرة لله ورسوله قولًا وعملًا.

ثمَّ بعد ذلك تنزَّلت الشرائع، وأحكام الحلال والحرام؛ فتلقَّتها النفوس المؤمنة، التي تربَّت على الانقياد والتسليم، كما قال تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: ٢٨٥]، فكان الصحابة - رضي الله عنهم - أسرع الناس استجابةً، وأبعدهم عن التباطؤ في التنفيذ.

فما الذي حدث بعد ذلك؟

يشخِّص ابن عمر المشكلة بقوله: «لقد رأيت رجالًا يؤتى أحدهم


(١) النهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ٢١٣): «أي: سكن فيه وثبت؛ من الوقار الحلم والرَّزانة».

<<  <   >  >>