للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن تأمَّل هدي الصحابة - رضي الله عنهم - علم أنَّهم لم يكونوا يعتادون ذلك هديًا غالبًا، بل للحاجة؛ اكتفاءً بوعظ المشهد نفسه، ففي الموت فزعٌ وعبرةٌ، والقبر نفسه واعظٌ صامتٌ.

ولعلَّ أبا أمامة لحظ في المشهد ما حمله على الوعظ، فقد كان في بلاد الشام التي شهدت في أواخر حياته أحداثًا كبارًا، والله أعلم.

* * *

• ولنعد إلى موعظته - رضي الله عنه -، والتي قال فيها:

«يا أيُّها الناس، إنَّكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزلٍ تقتسمون فيه الحسنات والسيِّئات، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى المنزل الآخر، وهو هذا - يشير إلى القبر - بيت الوحدة، وبيت الظُّلمة، وبيت الدُّود، وبيت الضِّيق إلا ما وسَّع الله!».

نعم ... هذه هي الدُّنيا، ميدان العمل والتنافس، وهي ميدان الحسنات والسيِّئات، والناس فيها كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (كلُّ النَّاس يغدو، فبايعٌ نفسه؛ فمعتقها أو موبقها) (١)، فمن اجتهد في كسب الحسنات، فقد أعتق نفسه، ومن لم يبال بتضخُّم رصيده من السيِّئات، فقد أوبق نفسه وأهلكلها ... وهذا التنافس سيأتي عليه يوم ينقطع فيه النَّفس، ويتوقَّف عدَّاد الحسنات والسيئات، إلا أن يكون للعبد سبيلٌ يمتدُّ بسببه: إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، فمن خلَّف علمًا ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولدًا صالحًا يدعو له، فحسناته جاريةٌ، يغتبط بها في قبره، ومن خلَّف بعده سيِّئاتٍ تسبَّب فيها، فحاله عكس هذا والعياذ بالله؛ يمتلئ رصيده بالسيئات حتى يقوم الناس لربِّ العالمين.


(١) مسلم ح (٢٢٣).

<<  <   >  >>