إنَّ الإقلال من الذنوب له ثمراتٌ وفوائد كثيرةٌ، لو لم يكن منها - كما قال ابن القيِّم- إلا السلامة من الوحشة التي «يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله، لا توازنها ولا تُقارنها لذَّةٌ أصلًا، ولو اجتمعت له لذَّات الدُّنيا بأسرها، لم تف بتلك الوحشة! وهذا أمرٌ لا يُحُّس به إلا من في قلبه حياةٌ، وما لجرح بميِّتٍ إيلامٌ، فلو لم تترك الذنوب إلا حذرًا من وقوع تلك الوحشة، لكان العاقل حريًّا بتركها.
وشكا رجلٌ إلى بعض العارفين وحشةً يجدها في نفسه، فقال له:
إذا كنت قد أوحشتك الذُّنوب ... فدعها إذا شئت واستأنس
وليس على القلب أمرُّ من وحشة الذنب على الذنب، فالله المستعان! (١).
وقال ابن القيِّم رحمه الله في موضعٍ آخر: «لو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي إلا: إقامة المروءة، وصون العرض، وحفظ الجاه، ومحبة الخلق، وصلاح المعاش، وراحة البدن، وقوة القلب، وطيب النفس، ونعيم القلب، وانشراح الصدر، والأمن من مخاوف الفسَّاق والفجَّار، وقلة الهمِّ والغمِّ والحزن، وعزُّ النفس عن احتمال الذُّلِّ، وصون نور القلب أن تُطفئه ظلمة المعصية، وتيسُّر الرزق عليه من حيث لا يحتسب، وتيسير ما عَسُرَ على أرباب الفسوق والمعاصي، وتسهيل الطاعات عليه، وتيسير العلم، والثناء الحسن في الناس، وسرعة إجابة دعائه، وزوال الوحشة التي بينه وبين الله، وقُرْبُ الملائكة منه، وبُعْدُ شياطين الإنس والجنِّ منه، وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه ... إلخ